شعار قسم مدونات

يتامى ماما ميركل

blogs ميركل

إنه صباح الـ 25 من أيلول (سبتمبر) 2017، وجه ألمانيا اليوم لا يبدو كما كان، أو هذا ما أشعر به على أقل تقدير. بعد ليلةٍ عاصفة من المتابعة الإعلامية لنتائج الانتخابات التشريعية الألمانية، جاءت النتيجة التي لطالما شكّلت هاجساً للجالية اليهودية، وتخوف منها اللاجئون لا سيما المسلمين منهم، مع دخول أحد الأحزاب القومية الراديكالية البرلمان الألماني (البوندستاغ) لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية.

بكل الأحوال كان الجو العام خلال الشهر الماضي مشحوناً، إعلانات طرقية مريبة، رسائل إعلامية مُضللة، ومعاملة مستفزة. المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل حصلت على فوزٍ بطعم الخسارة، بعد أن خسر حزبها (CDU) بعض مقاعده في البرلمان، وهي الخسارة الأكبر في تاريخه، ومُني شريكها الحكومي حزب (SPD) بخسارة مدوية هي الأكبر أيضاً منذ عام 1945، وحصول حزب البديل من أجل ألمانيا (AFD) القومي على ثالث أعلى نسبة تصويت، ودخوله البرلمان للمرة الأولى متجاوزاً أعلى النسب المئوية تفاؤلاً، والتي رجحت دخوله البوندستاغ بنسبة 10 بالمئة، فإذ به يحصل على نسبة 13.5 بالمئة.

راهنت ميركل -ذات الشعبية الواسعة ألمانياً وأوروبياً- على الألمانيين أولاً في تغليب القيم الإنسانية على المصالح السياسية، وأطلقت مقولتها الشهيرة: يُمكننا أن نفعل ذلك (Wir schaffen das)، لتبرير سياسة الباب المفتوح تجاه اللاجئين، وقد بدت هذه السياسة مجدية حتى أواخر عام 2016، ثم يمكن للمتابع أن يُلاحظ تململاً في الرأي العام الألماني، يبدو انعكاسه واضحاً اليوم في انتخابات 2017.

يمكن القول أن ميركل ربحت ولاية رابعة، لكنها دفعت بحياتها السياسية نحو نهايتها، خصوصاً مع توعّد حزب البديل لها بتصيّد أخطاءها ومطاردتها
يمكن القول أن ميركل ربحت ولاية رابعة، لكنها دفعت بحياتها السياسية نحو نهايتها، خصوصاً مع توعّد حزب البديل لها بتصيّد أخطاءها ومطاردتها
 

لقد خسر اللاجئون مع نهاية عام 2016 الحاضنة الشعبية لهم، بعد أن لعبت المشاعر الإنسانية التي اجتاحت الألمان عام 2015 دوراً في احتضانهم، وتأمين السكن والملبس والمأكل لهم، حتى قبل أن تبدأ الدولة بتقديم مساعداتها.

وكان للإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي دوراً في فعّالاً في الوصول إلى هذه النتيجة، من خلال تسليط الضوء على الأخطاء الفردية، وتصيّد هفوات اللاجئين القادمين أصلاً من ثقافة اجتماعية مغايرة ونظام سياسي مختلف. رغم أن معظم اللاجئين فعلوا ما بوسعهم لتحقيق الاندماج الاجتماعي الذي كانت تتحدث عنه ميركل في كل خطاب، تعلموا لغة من أعقد لغات العالم في أقل من عام، بعضهم انخرط في عمل جزئي، وآخرون عادوا إلى مقاعد الدراسة المهنية أو الجامعية، وغيرهم ممن ساعدتهم الظروف فأسسوا عمل خاص.

يبقى الملفت والذي من الممكن ملاحظته في المراكز الانتخابية بأغلب الولايات، ومتابعته على صفحات التواصل الاجتماعي، أن الناخبين من أصولٍ مهاجرة هم الأكثر تصويتاً لحزب البديل من أجل ألمانيا (AFD)، ما يُعيد للأذهان استفتاء خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي عام 2016، والذي صوت فيه معظم الناخبين من أصولٍ مهاجرة لصالح الانفصال، لقطع الطريق على بريطانيا لاستقبال المزيد من اللاجئين ضمن سياسة المحاصصة في الاتحاد الأوروبي، وكان أن صوت الناخبين في ألمانيا مع حزب البديل لنفس السبب.

يمكن القول أن ميركل ربحت ولاية رابعة، لكنها دفعت بحياتها السياسية نحو نهايتها، خصوصاً مع توعّد حزب البديل لها بتصيّد أخطائها ومطاردتها. وفي الحقيقة نحن الخاسر الأكبر من خسارة ماما ميركل -كما يلقبها كثيرون- فلن يقدم لنا أي مستشار آخر من تسهيلات كما قدمت، ولن يدافع أحد عن سياسة استقبال اللاجئين كما دافعت، ولن يُشعرنا أحد أن وجودنا إغناء ثقافي كما فعلت، ولن يكون بالتأكيد ألكسندر غاولاند زعيم حزب (AFD) بابا غاولاند أبداً!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.