شعار قسم مدونات

عقدة كوريا الشمالية وخيارات ترمب الصعبة

Blogs-trumP
يبدو أن مسألة احتواء المارد الكوري الشمالي ومخاطر برنامجه النووي على أمن وسلامة الولايات المتحدة وحلفاءها في منطقة جنوب شرق آسيا والمحيط الهادئ لاسيما كوريا الجنوبية  واليابان، لم تكن على الأرجح بتلك السهولة التي لازمت تدبير قضايا مماثلة أو بالأحرى أقل خطورة على الأمن والسلم الدوليين كقضية المزاعم حول حيازة العراق لأسلحة الدمار الشامل، حيث شكلت بذلك ذريعة لشن حرب شاملة عليه سنة 2003 أدت في نهاية المطاف إلى تفكيك نظام صدام حسين وما لا يقل عن مليون قتيل فضلاً عن دخول البلاد في دوامة من العنف الطائفي.

       

ولعل ما أصبح باديا للعيان هو أن قضية برنامج كوريا الشمالية النووي والذي ما فتأت سلطات "بيونغ يونغ" تعترف بامتلاكه ولم تتردد ولو للحظة في إعلانها عن القيام بسلسلة تجارب صاروخية باليستية قادرة على حمل رؤوس نووية بإمكانها الوصول لأهداف داخل الأراضي الأمريكية، الشيء الذي أضحى في نظر الكثير من المتتبعين يزيد من تعقيد الموقف ويجعله أكثر خطورة، حيث لم تتثني تهديدات "ترمب" القاضية بتدمير كوريا الشمالية تدميراً كلياً وذلك على هامش افتتاح أشغال القمة ال72 للجمعية العامة للأمم المتحدة، وهو ما اعتبرته الخارجية الكورية الشمالية يرقى إلى "نباح كلب" ولا يخيفها.

             

فشل نظرية الصبر الاستراتيجي

أمام هذا التحدي المتنامي، تبدو خيارات الولايات المتحدة في التعاطي مع هذا الملف صعبة للغاية بل ويزداد الأمر صعوبة منذ صعود الرئيس "ترمب"، حيث استفادت قيادة "بيونغ يونغ" على ما يبدو بانغماس واشنطن ولوقت طويل بقضايا ومشاكل الشرق الأوسط وذلك على حساب هذا الملف، وحيث لم تسفر العقوبات الاقتصادية المفروضة على "بيونغ يونغ" عن نتائج ملموسة في ما يخص الحد من قدراتها العسكرية وبرنامجها النووي، بل يمكن القول أن الأمر قد أتى بنتائج عكسية تماماً لاسيما في ظل تلويح نظام "كيم جونغ أون" بتجربة قنبلة هيدروجينية في المحيط الهادئ في رد فعل هو الأعنف من نوعه على سلسلة المناورات العسكرية الأمريكية، وهي كلها مؤشرات أصبحت تدلل و بما لا يدع مجالاً للشك على أن الوضع في شبه الجزيرة الكورية قد بات أقرب إلى التصعيد منه إلى التهدئة كما أن نظرية الصبر الاستراتيجي المعلنة لوقت طويل في تدبير الملف قد باتت من الماضي.

                         

صرح الرئيس
صرح الرئيس "ترمب" بأن الخيار العسكري قد أصبح جاهزاً للتنفيذ في حالة ما لم تتحلى قيادة "بيونغ يونغ" بالحكمة
                    

خيار توسيع دائرة العقوبات الاقتصادية 

جاء الإعلان عن توقيع الرئيس "ترمب" لأمر تنفيذي يقضي بفرض عقوبات أمريكية جديدة على شخصيات وشركات تتعامل مع كوريا الشمالية مع كل ما يحمله القرار من قيود مصرفية وحق اعتراض شبكات الشحنات التجارية التابعة لكوريا الشمالية بهدف تجفيف مصادر تمويل برنامجها النووي ليزيد من تعقيد وضبابية المشهد، وذلك أخذا بالاعتبار حجم التبادل التجاري الذي يبلغ نحو600 مليار دولار بين الولايات المتحدة والصين التي تعتبر الحليف الأقوى ل "بيونغ يونغ"، أو باقي شركاءها عبر العالم. يأتي كل ذلك في ظل وجود تضارب في المصالح وانقسامات حادة في مجلس الأمن الدولي وفي ظل التلويح باستخدام حق النقض الفيتو ضد أي قرار قد يعتبر مشددا ضد "بيونغ يونغ" على الرغم من طابع الإجماع الذي بدت عليه جلساته الأخيرة، وفي ظل وجود تباينات حادة في المواقف حتى داخل حلفاء واشنطن سيما بعد تصريحات "ترمب" النارية حيث جاءت أبرز الانتقادات هذه المرة من ألمانيا وسيول وطوكيو بل وحتى من داخل الولايات المتحدة نفسها.

 
ويبقى السؤال،هل تدفع أجواء كهذه كوريا الجنوبية إلى المزيد من التسلح ومن خلفها اليابان إلى التفكير في إرساء توازنات جديدة وتغيير قواعد اللعبة عبر الانسياق وراء مزيد من التسلح والاعتماد على الذات في مواجهة التهديد الكوري الشمالي؟

الخيار العسكري كابوس يؤرق الجميع

في الوقت الذي يصرح فيه الرئيس "ترمب" بأن الخيار العسكري قد أصبح جاهزاً للتنفيذ في حالة ما لم تتحلى قيادة "بيونغ يونغ" بالحكمة، وفي خضم ارتفاع حدة التوتر الناجم عن الوثيرة المتصاعدة للمناورات العسكرية والتجارب الصاروخية، ووسط سيل من الحرب الكلامية غير المسبوقة والاتهامات المتبادلة بين الطرفين الأمريكي والكوري الشمالي اللتين تعتبران بحكم الأمر الواقع بمثابة قوتين نوويتين، يبدو أن سيناريو الحرب الشاملة قد أضحى كابوسا حقيقيا يؤرق دول جنوب شرق آسيا والمحيط الهادئ وباقي دول العالم، الشيء الذي حدا "بجيمس ماتيس" وزير الدفاع الأمريكي وبخلاف "ترمب" بأن يؤكد بأن نتائج أي حرب محتملة ستكون "كارثية".             

بين اعتماد الخيار الدبلوماسي وإرساء توازنات جديدة 

مما لا شك فيه أن سلطات طوكيو حليفة واشنطن لن تشعر بأي ارتياح حينما ترى صاروخاً كوريا شماليا يعبر مجالها الجوي كما أن سيول لن تكون كذلك عندما ترصد مدفعية جارتها الشمالية ترابض على مقربة من حدودها، وفي الوقت ذاته فإن "بيونغ يونغ" و "بيجين" لن تشعرا بالارتياح أيضا عندما يتم نشر منظومة الصواريخ الأمريكية "ثاد" على الأراضي الكورية الجنوبية أو تحليق مقاتلات أمريكية فوق أجواءها، الشيء الذي يزيد من حدة التوتر بالمنطقة، لكن السؤال الذي سيبقى مفتوحا هو إلى أي مدى يمكن التعويل على الحليف الأمريكي في الدفاع عن الأراضي اليابانية والكورية الجنوبية.

                            

هذا السؤال يجد حجيته على سبيل المثال لا الحصر في التباينات الحادة وحالة عدم الانسجام بين بعض الحلفاء داخل حلف شمال الأطلسي كتركيا التي تعد ثاني أكبر قوة عسكرية ضمن الحلف وباقي الحلفاء وعلى رأسهم واشنطن على خلفية ملف دعم حزب الاتحاد الديمقراطي الذي تصفه تركيا "بالإرهابي" وهي خطوة تراها أنقرة تهدف إلى تقويض مصالحها الحيوية، وفي المقابل نزوع سلطات أنقرة إلى اقتناء منظومة S – 400 الروسية المتطورة في خطوة هي الأولى من نوعها يخطوها عضو داخل حلف الناتو وينْظر إليها باقي الحلفاء بكثير من التوجس، ينضاف إلى ذلك رؤية الرئيس "دونالد ترمب" المتعلقة بمبدأ سحب الجنود الأمريكيين المنتشرين خارج الأراضي الأمريكية و مبدأ الدفع ومساهمة الشركاء الأوروبيين مقابل الحماية الأمريكية وهي رؤية لاقت انتقادات حادة من باقي الحلفاء الأوروبيين.

                

فهل تدفع أجواء كهذه كوريا الجنوبية إلى المزيد من التسلح ومن خلفها اليابان إلى التفكير في إرساء توازنات جديدة وتغيير قواعد اللعبة عبر الانسياق وراء مزيد من التسلح والاعتماد على الذات في مواجهة التهديد الكوري الشمالي وبالتالي التحرر من بعض قيود معاهدة سان فرانسيسكو أم أن المظلة الأمريكية والخيار الدبلوماسي سيظل مفتوحا في أفق تحقيق تسوية سياسية للنزاع وتخفيف حدة التوتر في خطوة قد تكون مشابهة للاتفاق النووي الإيراني؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.