شعار قسم مدونات

التنويريون.. آفة العصر

blogs - people
انتشرت منذ بضع سنين جرثومة، صنعت وطورت في مخابر معروفة بعداىها للإسلام ولكل ما هو دين بصفة عامة، نوع من البكتيريا الخطرة أطلق عليها اسم تجاري جذاب وهو"التنوير"، أو تصحيح التراث عند البعض. وقد اختار أصحاب هذا المنتوجَ الإعلاميين كأحد أهم المسوقين لها، لما لهم من شهرة وحضور دائم داخل بيوت الناس دون استئذان، كما تم تجنيد -عن علم أو عن جهل- كل من له حقد أو مشكلة شخصية ارتبطت بالدِّين، وانضم إليهم محبو الأضواء في ثوب كتاب، تم الترويج لهم في وسائل الإعلام الثقيلة رغم محدودية أفكارهم وضعف كتاباتهم التي ارتكزت على سرد حياتهم الشخصية وتجاربهم القاسية في الحياة، فجعلوا من تراكمات آلامهم وخيبة آمالهم دافعا قويا للانتقام من مجتماعاتهم، فخرج لنا "التنويريون". 

يبدأ التنويري بنقد كل ما يحيط به في الحياة اليومية من مشاكل اقتصادية، اجتماعية، سياسية، ويقارن ما في مجتمعه من نقائص ونقائض وينسبه للدين، مع التركيز على بعض شيوخ الفضائيات وفتاوي القصور والحكام ليلسقها بالدِّين مع علمه، أو جهله، بأن هؤلاء الشيوخ ليسوا إلا تجار دين وأن الدين منهم براء، لكن التنويري لا يتكلم عن أصول وأحكام الدين الحقيقية لجهله لها في أغلب الأحيان أو تدليس منه لتمرير فكرة فيروسية مضرة إن لم تكن قاتلة لبعض الشباب.

التنويري يعرف جيدا أنه يعيش في مجتمع لا يقرأ إلا بعض الجرائد، وأن الأغلبية تكتفي بالسمع أو أخذ "العلم" من جهاز سمومه أكثر من عسله إذا لم يكن لك منبه أو مضاد حيوي

يشتكي التنويري دائما من الاضطهاد، رغم أنه لم يتعرض إليه، لكنه يتاجر بجروح أناس عانوا حقا الاضطهاد فتجده يتكلم باسمهم حتى تظنه منهم، ومنهم من يسجن من السلطة، ليس عقابا له، لكن عملية اشهار مدروسة، يخرج من سجنه بثوب من يدفع من حريته ليدافع عن فكره، فيعود أكثر قوة ويتعاظم التعاطف معه من البسطاء فتصبح المهمة أسهل والفوائد أكبر وكلها خطوات مدروسة ومحسوبة ومدفوعة الثمن.

من أدوات التنويري أنه يحسّن الكذب وتزييف الحقائق، حيث يأخذ بعض مقاطع من علماء دين معروفين ويوظفها في غير مكانها وهو متيقن أن جهل أغلبية العامة تجعلهم يأكلون السم في العسل دون أن تتحقق من المقولة وأين قيلت ولماذا وما هو الهدف منها.

التنويري يعرف جيدا أنه يعيش في مجتمع لا يقرأ إلا بعض الجرائد، وأن الأغلبية تكتفي بالسمع أو أخذ "العلم" من جهاز سمومه أكثر من عسله إذا لم يكن لك منبه أو مضاد حيوي يقيك من هذه الجرثومة التنويرية.

لو بحثت قليلا في تاريخ التنوريين تجده مملوءا بالتناقضات والتحولات حسب الزمن وحكام الزمن، فتجده مثلا ولد في بيت إمام وكبر في كباريه خالته، ثم انضم إلى متطرفين أحرقوا الكباريه، ليبلغ عنهم أمن الدولة ويصبح مخبرا، ويشارك في الثورات السلمية لينقلب عليها وينتهي به المطاف أمام كاميرا يلقي دروسا في التنوير أو… التدوير.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.