التنويري يعرف جيدا أنه يعيش في مجتمع لا يقرأ إلا بعض الجرائد، وأن الأغلبية تكتفي بالسمع أو أخذ "العلم" من جهاز سمومه أكثر من عسله إذا لم يكن لك منبه أو مضاد حيوي |
يشتكي التنويري دائما من الاضطهاد، رغم أنه لم يتعرض إليه، لكنه يتاجر بجروح أناس عانوا حقا الاضطهاد فتجده يتكلم باسمهم حتى تظنه منهم، ومنهم من يسجن من السلطة، ليس عقابا له، لكن عملية اشهار مدروسة، يخرج من سجنه بثوب من يدفع من حريته ليدافع عن فكره، فيعود أكثر قوة ويتعاظم التعاطف معه من البسطاء فتصبح المهمة أسهل والفوائد أكبر وكلها خطوات مدروسة ومحسوبة ومدفوعة الثمن.
من أدوات التنويري أنه يحسّن الكذب وتزييف الحقائق، حيث يأخذ بعض مقاطع من علماء دين معروفين ويوظفها في غير مكانها وهو متيقن أن جهل أغلبية العامة تجعلهم يأكلون السم في العسل دون أن تتحقق من المقولة وأين قيلت ولماذا وما هو الهدف منها.
التنويري يعرف جيدا أنه يعيش في مجتمع لا يقرأ إلا بعض الجرائد، وأن الأغلبية تكتفي بالسمع أو أخذ "العلم" من جهاز سمومه أكثر من عسله إذا لم يكن لك منبه أو مضاد حيوي يقيك من هذه الجرثومة التنويرية.
لو بحثت قليلا في تاريخ التنوريين تجده مملوءا بالتناقضات والتحولات حسب الزمن وحكام الزمن، فتجده مثلا ولد في بيت إمام وكبر في كباريه خالته، ثم انضم إلى متطرفين أحرقوا الكباريه، ليبلغ عنهم أمن الدولة ويصبح مخبرا، ويشارك في الثورات السلمية لينقلب عليها وينتهي به المطاف أمام كاميرا يلقي دروسا في التنوير أو… التدوير.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.