شعار قسم مدونات

(52:17).. القاعدة السحرية للإنتاجية الفردية العالية

blogs - office

"ادرس بذكـاء وليس بجهـد Study smarter not harder "عنوان أحد أكثر الكتب مبيعا في العالم. ألفه "كيفـن بول" عام 1996، وضمنه عصارة تجربته الطويلة، طالبا ومدرسا، في جامعة فيكتوريا في كندا، ثم محاضرا عالميا حول التفوق الدراسي، علوم الدماغ، ونظريات التعلم في العديد من دول العالم. يعرض الكتاب القواعد والتقنيات الأساسية لتحقيق أقصى مستويات الأداء والإنتاجية الفـردية في مهارات التعلم خاصة. ذكـرتُ هـذا الكتاب المرجعي في مستهل هذه التدوينة لأثيـر الانتباه إلى أن العمل بذكاء أكثـر فعالية وأعمـق أثـراً من العمل بجهد.

إن كنت تشكـو من سـرعة الفتـور والملل عند شروعك في نشاط ذهنـي كالقـراءة أو المذاكرة أو الكتابة. أو كانت نفسك سريعة الانحراف والميل إلى وسائل التواصل الاجتماعي، والمواد الترفيهية والأخبار المثيـرة والمعلومات السطحية. أو كنت من الذين يفتحـون كتابا فلا يتجاوزون المقدمة أو الفصل إلا بشـق الأنفس، أو من الذين تبدو لهـم كتابة فقـرة أو مقال أو تدوينة كصعـود جبل. أو تؤجل المراجعة والمذاكـرة والتحضيـر للامتحانات إلى الدقيقـة الأخيـرة.

undefined

إن كنت واحدا من هؤلاء، اطمئن، ليس في دماغك ولا في نشاطك الذهني ولا في قـدرتك على التـركيـز عيب ولا خلل. الخلل والعطب في أسلوبك في انجاز الأنشطة اليومية، وفي طـريقتك في توزيع زمـن الهمة والنشاط وزمن الملل والفتـور. لا أتحدث عن إدارة الوقت ولا عن تحديد الأوليات. كلامي عن كيفية تعاقب زمن العمل وزمن الراحة في نشاطك اليومي. إليك التفاصيل بعد تمهيد لابد منه.

اقتصاد صناعـي رأسمالي عفى عنه الزمـن:
بعد نضال طويـل ومريـر للنقابات العمالية خلال الثـورة الصناعية في بريطانيا ودول أوروبا الغربية، اعتُمد نظام العمـل (08/24) ثماني ساعات عمـل في اليوم الواحد، ترتب عنه خفض ساعات العمل اليـدوي التي يُجبـر العمـال على قضاءها في المصانع والمناجـم والوحدات الإنتاجية. كان انتـزاع الطبقة العاملة من أرباب العمـل للحق في تقسيـم يـوم العمل إلى (8 ساعات عمـل، 8 ساعات راحة وأنشطة اجتماعية و8 ساعات نـوم) من أهم انجازات النضال العمالي في تاريخ الرأسمالية الصناعية منـذ أزيـد من 200 سنة.

اقتصاد معرفي إبداعي:

إن الالتزام بقاعـدة 52:17 في توزيع فترات النشاط والاستراحة، يحقق نسبا عالية جدا من التركيز والفعالية

أدى تحـول نمط الانتاج من نظام صناعي قائم على "العمل بجهد" (القـوة العضلية، سلسلة الانتاج، نظام إداري قهري تراتبي) إلى نظام معرفي إبداعي قائم على "العمل بذكاء" (القوة الذهنية، فـرق العمل، الذكاء الجماعي، نظام عمـل شبكي تعاوني) إلى تراجع نظام تقسيم اليوم إلى ثلاث وحدات من ثماني ساعات عن مسايرة شروط الفعالية والأداء العالي بعد الرجة القوية التي أحدثتها الثـورة المعلوماتية والمعرفية والرقمية في أنظمة الإدارة والعمل والإنتاج.

أدت هذه الرجة إلى ابتكار مؤشـرات جديـدة لقياس الإنتاجية وتقييم أداء العاملين لم تكن معروفة قبـل تعميـم الحاسوب ورقمنة الوظائف والمهام والأنشطة الإنتاجية. وأظهـر التحـول إلى نمط الانتاج المعـرفي أن نظام العمـل لفتـرات طويلة مستمـرة أو على شكل إنتاج متسلسل رتيب وآلي، أو حصص طويلة مع فواصل استراحة قصيـرة مخصصة للغـذاء، قد انتهـى إلى متحف تاريخ أنظمة الإنتاج. لم يعد نظام ثماني ساعات عمل في اليوم يوافـق خصائص الجيل الجديد من العمال وأنظمة الإدارة وقوانين السـوق. رفع الإنتاجية والأداء والقدرة التنافسية في الأنظمة الإدارية الحديثة، يقتضي تـرك تقسيم اليوم إلى حصص عمل طويلة متواصلة تتخللها استراحة قصيـرة، واعتماد أنظمة عمل ذكية.

العمل بذكاء
في دراسة ميدانية حديثة أنجـزتها مؤسسة DraugiemGroup ونشـرت في المجلة الأمريكية الشهيـرة Forbes، استُخدم تطبيـق ذكي لرصد وتتبع عادات العمل لدى عدد مـن الموظفيـن. اعتمد التطبيق قياس الزمن الذي يقضيه كل موظف في المهام الموكلة إليه ومقارنته بمستوى الإنتاجية. بعـد تحليل المعطيات توصلت الدراسة إلى أن طـول يـوم العمل لا يهـم كثيـرا، ما يهـم هـو كيف ينظـم العاملون يومهـم. وعليه استنتجت الـدراسة أن الأشخاص الملتـزمين – التـزاما دينيا – بأخذ فواصـل قصيـرة بعد كل ساعـة عمـل، أكثـر إنتاجيـة من الذين يعملـون لفترات طويلة دون توقف.

كانت نسبة العمـل المثالية، وهي ما سمي بالنسبة الانتاجية السحـرية Magic Productivity Ratio التي توصلت إليها الدراسة هي: 17 دقيقة استراحة بعد كـل 52 دقيقـة عمـل. واعتبرت الدراسة أن الالتزام بقاعـدة 52:17 في توزيع فترات النشاط والاستراحة، يحقق نسبا عالية جدا من التركيز والفعالية. كما بينت أن الموظفين الملتزمين بهذه القاعدة كانوا على رأس كل ساعة في كـل مـرة ينجـزون 100٪ من المهمة التي يفتـرض إنجازها خلال ساعـة من العمل.

الفيسبوك عـدو التركيـز والإنتاجيـة

إن فتـرات الراحة على رأس كل ساعة عمل، لا يمكن أن تحقق الغرض منها إلا إذا انقطع الانسان كليا عن العمل الذي هو فيه

لاحظت الدراسة أن معدل تصفـح الفيسبوك عند الموظفين العاملين بقاعدة 52:17 انخفض جدا ولم يتجاوز (%1.45) من وقـت العمل. كما أنهم أقل عـرضة للأنشطة المشتتة للذهـن، مثل مراجعة علب رسائـل البـريد الإلكتـروني. تشير الدراسة أيضا إلى أن هؤلاء كلما شعـروا بالإرهاق، بعد حوالي ساعة متواصلة من العمل، يتوقفـون لفتـرة قصيـرة ينفصلون فيها تماما عـن عملهم. هذا الانقطاع عن العمل لفترة قصيـرة يساعد على الغوص مجـددا في ساعة عمل جديـدة بإنتاجية عالية.

أما عن الخلفية العلمية للدراسة، فقد ذكر أن أبحاثا أجـريت على النشاط الذهني للإنسان، بينت أن الدماغ البشري يحتاج لاستراحة قصيـرة قُدرت بحوالي 15 دقيقة على رأس كل ساعـة متواصلة من العمـل. وتؤكـد الدراسة أن الشـركات والأشخاص الذين يعملـون بهذه القاعدة الإنتاجية السحـرية يسحقـون منافسيهم، لأنهـم عـرفـوا كيف يستفيـدون من إحـدى الحاجات الأساسية للدماغ، وهي أن نشاط الدماغ عبارة يقوم على تعاقب تدفق طفـرة من الطاقة العالية لمدة تقـدر بحوالي ساعة، تليها فترة انخفاض في الطاقة تستمـر 15 إلى 20 دقيقة قبل بدء طفـرة عالية جديدة من الطاقة المحفزة للنشاط الذهني. انخفاض الطاقة رسالة من الدماغ يعبـر بها عـن حاجته إلى فتـرة راحة واسترخاء استعدادا لبدء دورة نشاط جديدة بمستوى عال من التركيـز والأداء.

تشير الدراسة في الختام إلى أن فتـرات الراحة على رأس كل ساعة عمل، لا يمكن أن تحقق الغرض منها إلا إذا انقطع الانسان كليا عن العمل الذي هو فيه. فتصفح وسائل التواصـل الاجتماعـي أو الهاتـف في فتـرات الاستـراحة لا يريـح الدماغ في شيء.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.