إن مجتمعات مثل مجتمعاتنا العربية يُنظر فيها إلى الطفل على أنه جاهل، مع العلم أن الطفل يفهم آلاف الكلمات قبل سن الخامسة، كما أنه يثأثر أكثر من أي شيء بوالديه، فهم بمثابة المِرآة التي تعكس لهم الحياة.
نجد في كتاب أرض جديدة للكاتب إيكارت تولي، "على الآباء أن يمارسوا وظيفة الأب والأم من دون أن يحولوها إلى دور يستخلصون فيه معنى حياتهم ويتحسسون كينونتهم فيه، مما يؤدي إلى تضخم هذه الوظيفة ويتحول واجب إخبار الطفل بما عليه وما ليس عليه فعله إلى حاجة أبوية تتمثل في صور من السيطرة والهيمنة"، وهذا يشكل ضغطاً إضافيا على الطفل.
ربما لو توقفنا للحظات ونظرنا في الأمر من زاوية أخرى سندرك أن طريقة التغيير الأولى والأكثر فعالية هي في بداية رحلة الإنسان قبل بداية الرحلة نفسها |
ظهرت قبل سنوات دراسات وكتب تتحدث عن نوع مختلف من الذكاء وهو ما يسمى بالذكاء العاطفي، ويُعتقد أنه يحدد ثمانين من المائة من احتمالية نجاح الفرد أو فشله، أي أكثر من تأثير الذكاء العقلاني. ويمكن تعريف هذا النوع من الذكاء بخمس قدرات مختلفة:
1- قدرة الشخص على معرفة وفهم مشاعره الخاصة، وذلك بمراقبة مشاعره النفسية أثناء حدوثها وتحليلها لمعرفة أسبابها وفهمه لأبعادها.
2- المقدرة على السيطرة والتحكم في المشاعر النفسية، وهي تتسبب بدورها في النهوض بعد السقوط والتغلب على المحبطات والنكسات.
3- القدرة على تحفيز النفس عن العمل، لتحقيق الأهداف وتقديم العمل على الراحة.
5- القدرة على التعامل مع العلاقات الشخصية والتحكم فيها، وهي تحدد مدى شعبية الشخص وقدرته على القيادة.
المشكلة أن جل الآباء والأمهات لا يدركون أن هاته القدرات الخمس تتكون في السنوات الأولى من حياة الطفل وما فُقِد منها يصعب استدراكه، وأن الثلاث سنوات الأولى هي أسرع مدة لنمو عقل الطفل.
نشرت مجلة الصحة النفسية (journal of mental health) عام 2005، في دراسة استغرقت عامين، أجريت لألف مشارك، بينت فيها أن الأشخاص الشغوفين بالمعرفة وحب الاستكشاف والسؤال ارتبطوا بنسب أقل من الإصابة بأمراض ارتفاع الضغط والسكري وغيرها، وفي دراسة أخرى في مجلة علم النفس الاجتماعي (journal of social psychology ) أن الطفل الشغوف بالسؤال يحقق نسبة أعلى في اختبارات الذكاء في مرحلة متقدمة من الطفولة، أما من الناحية الاجتماعية فقد وُجد أن الأطفال الشغوفين بالمعرفة والسؤال أنجح اجتماعيا وأكثر سعادة على المدى البعيد.
المحزن في الأمر أن الطفل في مرحلة ما قبل الدراسة يطرح أسئلته بمعدل 100 سؤال في اليوم، لكن مع بدايته في المرحلة الابتدائية يتناقص شيئاً فشيئاً حتى ينتهي به المطاف بتوقفه عن السؤال أصلاً، وهذا بسبب التعليم التقليدي العظيم في التفاهات أكثر من الأساسيات، الذي يعطي فقط إجابات جاهزة، غالبا ننساها بعد مرور 48 ساعة عن الامتحان.
ربما لو توقفنا للحظات ونظرنا في الأمر من زاوية أخرى سندرك أن طريقة التغيير الأولى والأكثر فعالية هي في بداية رحلة الإنسان قبل بداية الرحلة نفسها، وأن السنوات الأولى من الرحلة تلعب دوراً محوريا ومصيريا فيما تبقى منها.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.