شعار قسم مدونات

حقوق الإنسان بين المسلم و غير المسلم

blogs - هيئة الأمم المتحدة
يزيدُ يقيني كل يوم ويترسخ في ذهني كل لحظةٍ أعيشها وأُؤمِن إيماناً قاطعاً لا كُفرَ بعده إلا إذا تغير ما كان وما هو كائن في هذا العالم البائس، بأن فكرة وجود حقوق الإنسان لكل فرد بدون مَيزٍ أو تصنيف سواء بحسب الدين أو العِرق إلى غير ذلك، والتي ما فتئت منظمات حقوق الإنسان باختلاف مُسمياتِها تُسوِق لها متى شاءت لغايةٍ واحدة تبقى مفترضة- إقرار الحق لكل إنسان- إن لم نقُل غير عادلة لكل فرد، حاميةً فئة دون أخرى، مُقِرةً ثنائية الإنسان وكُلِية الحق لغير المسلم ونِسيبته للمسلم، فلا الأمم المتحدة ولا مجلس الأمن ولا كذا مجلس حقوق الإنسان، ولا حتى المحكمة الجنائية الدولية التي عُهِد لها أن تُنصِف المظلوم وتَردَع الظالم، فلا هم نصروا أو انتصروا. 
و لما كان الإقرار بما لجميع أعضاء الأسرة البشرية من كرامة أصيلة فيهم، ومن حقوق متساوية وثابتة، يشكل أساس الحرية والعدل والسلام في العالم كما جاء في ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. فإن حقوق الإنسان في زمان ما بعد الحداثة المتجسِدة في التميز السلبي الديني والعرقي للإنسان أَنتَج قاعدة ثنائية لا ثالثة لها بين مسلم وغير مسلم، حقوق تختلف باختلاف النوع فأرى عندما تُمسُ قطرة دمِ فرد غير مسلم كيف يدافع عنها البعض وتقوم القيامة ويستنكر كما استنكر بدوري أي فِعل يُصيب الفرد، كيف ما كانت ديانته؟ ويتظاهر العموم من أجلها وقت ما يريد ويُطبِقُ فَمَهُ ولا يلقي اهتماما في وقت آخر حينما يكون المُسلمون عُرضةً لانتهاكات وجرائم لا تستطيع العيون البشرية الطبيعية السوية النظر إليها لبشاعتها.

بشر في بورما وسوريا وشعوبٌ مسلِمة أخرى، لا يتحرك أحد لنجدتهم إلا قِلةٌ قليلة تكتفي بالإدانة وبِبعض الكلمات التي لا تحمي جسد طفلٍ ولا تُوقِف نزيف دم رجل ولا تصون عِرض امرأة
بشر في بورما وسوريا وشعوبٌ مسلِمة أخرى، لا يتحرك أحد لنجدتهم إلا قِلةٌ قليلة تكتفي بالإدانة وبِبعض الكلمات التي لا تحمي جسد طفلٍ ولا تُوقِف نزيف دم رجل ولا تصون عِرض امرأة

ما حدث لمسلمي بورما حُجُة دامِغة على ما جعلني أضعُ عنوان "حقوق الإنسان بين المسلم وغير المسلم" لهذه العلة، أناس يتعرضون لأشد الجرائم الدولية خطورة، على مَسمعٍ ومرأى من المنتظم الدولي الحقوقي بمنظماته المشلولة شللاً كلياً حينما يتعلق الأمر بأفرادٍ يعتنقون دين الإسلام، لا أُعمِم حتى لا أُنعَتَ بالجِاهل، لكن واقع الحال يعزز ما أقول فالإنسانية تغيب عنهم، كأن من تُهرقُ دماؤهم وتُنتهك أعراضهم وتُنهب أموالهم وتُهدم مساجدهم ويُرحلون من أراضهم بشر من درجةٍ ثانية، حتى الحيوان بجنسه ونوعه سلِمَ منها، فهم يُصنِفونهم بشرا من نوعٍ دُوني.

فلا نحن نتحِد ونُدافِع أولاً عن الإنسانية ونَنصُر مظلومنا ولا نحمي إخواننا المسلمين ثانياً، ولا هم ينهون ما وَجَبَ أن يُنهى كما يتعاملون ويتصدون لأي انتهاك لشخص واحد لا للآلاف، وأنا بدوري أرفُض وأستنكِر أي مسٍ مهما كانت درجته لأي روح، حتى لو اختلفنا في الدين، ويقول المولى عز وجل في الحفاظ على الروح موجِهاً خِطابًا واضح الدلالة لكل البشر لم يميز فيه بين مسلم وغيره "مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا".

فكرة حقوق الإنسان سلاح مرخص وحقٌ مشروع لهم، له سياج على شاكِلة منظمات تظهر بقيادات وإعلام مُسخر، أما المسلم فَلا يعلم أن حقه باسم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سراب في سراب

أناس في بورما وسوريا وشعوبٌ مسلِمة أخرى وهلُمَ جرا تبقى من باب التمثيل لا الحصر، لا يتحرك أحد لنجدتهم إلا قِلةٌ قليلة تكتفي بالإدانة وبِبعض الكلمات التي لا تحمي جسد طفلٍ ولا تُوقِف نزيف دم رجل ولا تصون عِرض امرأة، عالمنا الإسلامي يئِنُ تحت ضربات متوالية ومتعددة والغاية واحدة إضعافهم أو بالأحرى إرداء المسلمين أي"إهلاكهم" وربما تمنوا أن يُجسدوا مقولة فولتير لكن بصياغة أخرى مستهدفِةً المسلمين لا القِسيسين ولا الإقطاعيين "اشنقوا آخر مسلم بأمعاء آخر مسلم".

أما حُكَامُ العالم الإسلامي شُغلهم الشاغِل تثبيت أنفسِهم وأبنائهم على كراسي الحكم، ولو على جَماجِم الشعوب المسلمة، ومنهم من يسُومُ شعبه، واقع الأمة الإسلامية تقشعِر لها الأبدان، المسلمون في بورما مأساتهم كبيرة وخطيرة، فهُمُ قِلة قليلة، وما يتعرضون له من جرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية، لا نكاد نسمع فيه للعالم الحر أي صوت، أعِيدُ سؤالاً سبق أن طرحته تُرى لو تعرضت أقلية غير مسلمة لما يتعرض له المسلمون في بورما، هل كنا نرى هذا الصمت الرهيب؟ وهذا التواطؤ المقُنن لهذه الجرائم من المجتمع الدولي ومؤسساته وآلياته الدولية والإقليمية وقادة المسلمين، ونحن كذلك؛ الكُل صَمتَ وتآمر على الإسلام والمسلمين في عالم غابت فيه الإنسانية كما يغيب النور وينجلي عند الدخول إلى كهف يملؤه ظلام دامِس.

يُعدّ التطهير العرقي أهم مآسي مسلمي بورما؛ فالبوذيون يمارسون الاضطهاد والقتل والتهجير والتشريد ومصادرة أراضي المسلمين، اقتصرت على نموذج وحيد – مسلمي بورما- وما تعرض له، لأن ما يمارس عليه بلغ من الحيوانية ما لم يتعرض له شعب مثله، وما يزيد الويل ويلات أن العالم يُشاهد بقلب بارد بصور موثقة لا فَبَرَكَةَ فيها ما يعانيه، دون أن ننسى ما تعيشه سوريا وليبيا وما عاشه الشعب البوسني المسلم من قصفٍ وتجويع سراييفو العاصمة البوسنية خلال سنوات الحرب الثلاث من تطهيرٍ عرقي.

وليس كل ما جاء من انتهاكات غير إنسانية والتواطؤ بمساعدة بعض المسلمين الذين يتسترون تحت الإسلام، وهم ظالمون بشكلٍ مباشر أو غير مباشر للإنسانية جمعاء والمسلمين على وجه أخص، فاعلم أيها الإعلامي أنك ظالم إن استطعت أن تنقل ما يعيشه أي إنسان من تعذيب أو تقتيل، ولا تنسى أيها الراعي أنك مسؤول عن رعيتك.

مقصدي من المقال تأكيد أن فكرة حقوق الإنسان سلاح مرخص وحقٌ مشروع لهم، له سياج على شاكِلة منظمات تظهر بقيادات وإعلام مُسخر، أما المسلم فَلا يعلم أن حقه باسم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سراب في سراب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.