وكذلك يأتي في هذا السياق أيضا محاولة الانقلاب على الحكومة الشرعية في تركيا التي دبرها الغرب باستخدام إحدى الفرق الضالّة بقيادة فتح الله غولن، تلك الحكومة التي يقودها الإسلام السياسي، الذي نقل تركيا في عشر سنوات مما بعد المائة إلى مجموعة العشرين، وحولّها من دولة مستهلِكة مديونة إلى دولة صناعية كبرى دائنة واقتصاد عملاق.
ولما كان لا بد من إخفاء هذا العداء من أجل عدم الاصطدام الكلي الواضح مع المسلمين كافة، كان لا بد من شماعة أو فزاعة تحمل الاسم والمبررات، وتقوم بأعمال تناسب هذا التوجه في الزمان المناسب والمكان المناسب كما تفعل داعش وغيرها من تنظيمات لا يعرف أبناء الشرق الأوسط من يقف خلفها، ولا من يديرها، ولا من يمولها، ولا من هم قادتها، وهي الشماعة اللازمة لتغليف تقيّة الغرب وإجرامه في هذه الشعوب ووأد حقوقها، والعداء للإسلام القويم، والعداء لمشروع الإسلام السياسي يُغلف اليوم بالحديث عن الإرهاب في استهداف عالمي متعمد وواضح لم يعد يخفى إلا على الأغبياء.
الإسلام منظومة أخلاقية تستحق الاحترام وتستحق أن يتمسك بها أبناؤها وأن يعضوا عليها بالنواجذ وأن يدافعوا عن وجودها واحترامها وعن حرية الشعوب في اختيارها دون تعصب أو تطرف |
وهذا العداء غير المبرر هو ما يجب أن يجرّم كما جُرِّمَ ما يسمى "اللاسامية" أو معاداة اليهود، مع أنها أكذوبة صنعتها وكبرتها المنظمات الصهيونية بعد الحرب العالمية الثانية لاستغلالها في نشوء الكيان المحتل لفلسطين، ومع أن العرب هم الشعوب السامية، فالسامية عرق ونسب إلى سام بن نوح وليست عقيدة أو دين حتى تنسب لليهود القادمين من أصول بعيدة مثل بولندا وروسيا والفلبين والصين وغيرها في تزوير مقيت ومسكوت عنه عالمياً.
ويجب أن يُلاحَق كل من يروج لهذه الفرية المسماة "الإرهاب الإسلامي" أو يتهم الإسلام بالإرهاب عبر القضاء والقانون الدولي والمحلي في كل بلد، وعبر وسائل الإعلام والاقتصاد والسياسة والمنظمات الدولية، حتى يتوقف هذا المسلسل القميء. كما يجب أن يتم توجيه الرأي العام العالمي والإعلام نحو الحقائق الواضحة، ونحو الإرهاب الحقيقي الذي تمارسه القوى المسيطرة في العالم كما فعلت وتفعل فرنسا في مالي وليبيا. وكما تفعل الولايات المتحدة من قتل وإرهاب وملاحقة القوى الحية في المجتمعات الإسلامية بطائراتها بدون طيار في الصومال واليمن وليبيا والعراق وسورية وأفغانستان وباكستان وغيرها، تحت أكذوبة الإرهاب التي تتواطؤ معها فيها الأنظمة الوظيفية الأكثر تطرفا وإرهابا من تلك الفزاعات التي أنشأوها تحت مسمى القاعدة وداعش والنصرة وغيرها، وهي بقايا المنظمات التي شاركت تلك الأنظمة مع الولايات المتحدة في صناعتها لمحاربة الاتحاد السوفييتي والمد الشيوعي واستغلال مبدأ الجهاد في الإسلام لغايات ومصالح الإدارات الأمريكية المتعاقبة.
ثم لا يفوتنا احتلال الولايات المتحدة للشرق السوري من خلال ميليشيات تهدف لتمزيق سورية، ومن خلال قواعدها الجديدة بالتشارك مع بريطانيا وجيشها بشكل مباشر، وكما تفعل روسيا من قتل ودمار في سورية، وكما تفعل إيران في سورية والعراق واليمن، وكما تفعل "إسرائيل" في فلسطين المحتلة وآخرها أحداث القدس والمسجد الأقصى. وهذه المهمة هي ما يجب أن تتولاها القوى الحية والإعلام الحي في هذا العالم من مشرقه إلى مغربه وخاصة الدول الإسلامية والعربية، وهنا يجب أن ينفق المسلمون الأموال.
أخيراً.. جملة القول إنّ العقيدة أمر مهم جدا لسلامة المجتمعات وسلامة العلاقات بين أفرادها إذا ما كانت هذه العقيدة هي بالأصل منظومة أخلاقية تمجد الأخلاق الإنسانية وتحمي حقوق الإنسان وتصون النفس والمال، وهذا ما تُجمِع عليه كل الثقافات والفلسفات فلا مجتمع بدون منظومة أخلاقية – قبل القوانين- تحكم علاقاته وتصون حقوق أفراده وتحافظ على ثقافته وهويته، والإسلام الحقيقي كعقيدة (وهنا المقصود الإسلام الذي لم تعبث به دوائر الغرب والصهيونية وأقلام المجدفين) الإسلام الذي منع الدولة من استملاك أرض اليهودي من أجل بناء مسجد، وأعطى العهدة العمرية من رأس الدولة للمسيحيين في القدس واستمروا هناك أحرارا ألفا وأربعمائة عام حتى الاحتلال الصهيوني، هذا الإسلام هو منظومة أخلاقية عظيمة تستحق الاحترام وتستحق أن يتمسك بها أبناؤها وأن يعضوا عليها بالنواجذ وأن يدافعوا عن وجودها واحترامها وعن حرية الشعوب في اختيارها دون تعصب أو تطرف كما تصورها التنظيمات التكفيرية المصنوعة برعاية استخبارات الغرب والتي تمتهن القتل ودون تفريط أو تهاون كما يروج دعاة التجديد الديني أو كما يروج دعاة الانحلال وأعداء الثورات وأعداء خيارات الشعوب.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.