شعار قسم مدونات

ما أسهل التدين وما أصعب الاختبارات

Blogs- islam

ما أسهل أن تحمل المسبحة وتطلق اللحية وأن تعظ الناس وتردعهم، ما أسهل أن تحدثهم عن شجاعة موسى العجيبة وهو يتحدى فرعون عن صبر بلال بن رباح وهو يتعذب تحت سوط الأسياد و عالية القوم ما أسهل أن تحدثهم عن المخلفين عن تبوك كيف آثروا الجلوس في بيوتهم ومزارعهم تحت الظلال الوافرة حولهم زوجاتهم وأولادهم على الالتحاق بالغزوة ليسيروا من المدينة المنورة إلى تبوك في صحراء وحر وانقطاع طعام وماء ما أسهل أن تشرح لهم كيف أن المخلفين اخطأوا وأذنبوا وكيف أنه كان عليهم اللحاق بالجنود المسلمين.

       

ما أسهل كل ذلك وما أصعب أن تكون بلالاً وأن تحتاج شجاعة موسى ما أصعب أن تعود غزوة تبوك ويطلب منك اللحاق بها ثم تترك كل الرغد والأمان وتخرج مع الجنود المقاتلين، فرق كبير بين الكلام والأفعال فالكلام سهل لا تضحية فيه بل شهرة ومال وسمعة لكن لماذا ينجح هؤلاء الذين لا يفعلون ما يقولون ويحصدون أكبر جمهور واحتراماً بل وتبجيل، ألم يكن علي جمعه وعمرو خالد وعبد الرحمن السديس وغيرهم هم من خيرة علماء الدين لدى الناس يحظون بأكبر احترام وتفاعل! ألسنا شعوبا تشربت العبودية حتى صارت تميل لتقديس الأشخاص وجعلهم في مواضع حساسة وإجلاسهم على عروش الجلالة التي يصبح من عليها معصوماً مقدساً لا يجوز أن تقترب منه إلا راكعاً حانياً مسبحاً بعظمته ونزاهته، فلا يجوز نفي كلامه ولا نقد تصرفه أو أسلوبه وإلا فإنك من الفاسقين الفاجرين.

          

كل مأساة تصيبنا هي منا وكل تغيير سيحدث لنا سلباً كان أم إيجاباً هو ناتج عن تغيير فينا فلا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم!

لأن الكمال لله وحده لا يجب أن يغيب النقد أبداً ففي أي مجتمع طبيعي يجب أن يكون هناك نقد دائم للمسؤولين والعلماء ورجال الدين وكل الشخصيات التي تحمل مسؤولية ما تجاه المجتمع لأن هذا النقد البناء هو الذي يقوم مسيرة المسؤول باستمرار ويبعده عن الانحراف والاستعلاء والاستخفاف بالناس، لعلنا بكثرة التقديس والمدح لوثنا النفوس التي لم تتحمل عبء النزاهة والجلالة ولم تعرف كيف تصرف تقديس الناس عنها حتى استخفوا بالناس وانحرفوا وضعفوا عند اول اختبار، ولغياب النقد البناء المعتدل المتواصل عدة أسباب منها قلة التأمل واستخدام العقل لدى الشعوب البائسة التي بالكاد تجد لقمة العيش والاعتماد على المظاهر والسطحيات في تقييم الأمور ففي تقييم المشايخ اللحية والشهادة والبكاء عند ذكر الله تجعل لأقوال العالم وأفعاله نزاهة وقداسة حتى يصير من العيب نقده، والتربية القائمة على الترهيب والتخويف تقمع أي منتقد وتردعه أن يعلن نقده أو يبديه.

       

ألسنا نحن الذين نصنع طواغيتنا نحني لهم رقابنا نقول لهم أرجوكم قيدونا لا ترحمونا لا تحترموا حقا لنا والبسوا تيجان الجلالة! كل مأساة تصيبنا هي منا وكل تغيير سيحدث لنا سلباً كان أم إيجاباً هو ناتج عن تغيير فينا فلا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم! 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.