شعار قسم مدونات

عن إعصار "إرما".. مجددا!

Blogs-Irma

تشكل المعتقدات والأفكار التي يؤمن بها الشخص إطارا يفسّر كل ما يقع حوله من خلاله، ويشكّل الدين إحدى أهم محددات معالم ذلك الإطار، وأنوّه هنا أن الدين هو فهم الشخص للدين، هو النسخة الشخصية للدين الأصلي. ديننا الإسلامي يحمل معانٍ عميقة للرأفة والرحمة والتسامح والتعارف والاعتراف والتضامن وتقديم المساعدة والابتسامة والحكمة والموعظة الحسنة، لكن ذلك يغيب في أذهان الكثير من المسلمين، ويعتمدون نسخة أخرى من الدين، يبدو من معالمها وآثارها والمواقف الناتجة عنها أنها مقرصنة! 

        

بطريقة غير إنسانية بعيدة عن الشفقة والرحمة والإنسانية يتغنون ويفرحون بموت أي إنسان يخالفهم في الدين والعقيدة، يفرحون ويبتهجون بموت أناسٍ برآءَ عُزَّل، يعيشون بأمان في مكان ما، يمارسون فيه حياتهم بطريقة عفوية وبسيطة، ما إن ينزل بلاء على قوم، حتى نكتشف مقدار الدعشنة التي أصابت قلوب الكثير من المسلمين حتى سيطرت عليها!

          

وكالكثير من المآسي السابقة، فرح الكثير وهللوا وكبّروا بزعمهم أن الإعصار عقاب من الله على خبث السياسة الأمريكية، وعلى الجرائم غير الإنسانية هنا وهناك في أنحاء العالم، بطريقة مباشرة وغير مباشرة، لكن دعني أتساءل ما ذنب مواطني فلوريدا في ذلك مثلا؟ ما ذنبهم والبنتاغون والبيت الأبيض يعيش أهله في أمان وترف بعيداً عن أي عاصفة؟ أليسوا هم من يعيثون فساداً بسبب سياساتهم القذرة؟ ما ذنب الأطفال والنساء البرآء، تخلَّ عن الدعشنة وفكّر بإنسانيّة، والإسلام أقرب إلى الإنسانية من أي تحيّز أو تحزّب آخر، حسنا ! ماذا لو عاش في تلك الأرض مسلمون هل ستتوقف تلك الأعاصير والفيضانات؟ لن تفعل طبعا، فالمنطقة منطقة نشطة جغرافيا وهي مكان للأعاصير والفيضانات، وبؤرة من بؤرها، مثلها مثل كل المناطق حول العالم بما فيها " أراضي المسلمين". 

           

أننا بشرا مثل كل البشر نصيب ونخطئ ويعاقبنا الله ويعاقبهم، ويبتلينا ويبتليهم، وألا أحد يمكنه أن يتحدث باسم الله ليقرر بوثوق أن هذا عقاب أو ابتلاء

يبدو أن نفرًا غير قليلٍ من المسلمين يجب أن يخضعوا لإعادة تأهيل فكرية حول معاني الروح وقدسيتها، ومعاني " كرامة " بني آدم، يجب أن يخضعوا لجلسات العلاج النفسي كي يُشفَوْا من عقدة "التعالي" التي تجعلهم يعيشون في برجٍ عاجيٍّ، يشعرون فيه أنهم "شعب الله المختار"، وأن أرواحهم وأجسادهم مقدسة دون غيرهم من بني الإنسان، ألا يمكن أن نقتنص مثل هذه الفرص لإظهار مدى إنسانيّة الإسلام، ومدى احترامه وتقديسه " للروح" التي يحملها الإنسان بين جنباته! ألا يمكن أن نستغل مثل هذه النكبات لإظهار صورة ناصعة عن الإسلام، ولتحبيب الناس إليه وترغيبهم باعتناقه؟ لماذا نستنكر ما تفعله داعش وأخواتها ونعتبر أفعالها بعيدة عن الإسلام ومبادئه، ثم نُظهِر داعشيًّا صغيرًا يعيش في دواخلنا؟ 

             

أما آن أن نلتفت إلى ذاك الإعصار الذي اجتاحنا منذ قرون ومزال يجتاحنا وقد مكث طويلا؟ أما آن أن نلقي نظرة على "إعصار" الذّل والهوان واللاّفعاليّة الذي لا تتحدث عنه الأخبار العاجلة، ولا تنقله القنوات الفضائية، ولا تسجله الكاميرات من طائرات الهيلوكوبتر! ذاك الإعصار الذي كانت إحدى أكبر الخسائر التي خلفها طريقة تفاعل شعوبنا مع إعصار "إرما"! فلنتعامل بإنسانية، ونحن نحمل شريعة الإسلام وهدي النبي (عليه أفضل الصلاة والتسليم) بين أيدينا.. فلنتعامل بإنسانية ونحن نستحضر مواقفه عليه الصلاة والسلام التي فاقت كل إنسانية !

              

إلى أن نتخلى عن أبراجنا العاجية ونستشعر أننا بشرا مثل كل البشر نصيب ونخطئ ويعاقبنا الله ويعاقبهم، ويبتلينا ويبتليهم، وألا أحد يمكنه أن يتحدث باسم الله ليقرر بوثوق أن هذا عقاب أو ابتلاء، إلى ذلكم الحين أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.