شعار قسم مدونات

رسالة إلى بُنيتي

مدونات - انبة أب أسرة غابة عائلة
إلى قرة عيني بُنيّتي، أكتب لك اليوم بحبر مليء بالمحبة رسالة عابرة للزمان لكي تقرئيها عندما تصبحي شابة في مثل عمري، والسبب الذي دفعني لهذا هو التيه الذي ألمسه من خلال بعض المقالات والروايات التي تعكس الوضع الاجتماعي والاضطرابات الواضحة بين الجنسين في زماننا هذا الذي أعيشه، ولا أجد لهذه المقالات والروايات وصفا إلا كتلك اليد التي كلما وسوس لها الشيطان بتفاهة جديدة تلوى علينا وكأنها ليست جزء من جسدنا وكياننا المجتمعي. وخوفا من أن أراك يوما جزءا من تلك اليد أجر حبري هذا.

 
بنيتي الغالية، يوما ما سيشتد عظمك وستصبحين شابة يافعة لتخوضي غمار هذه الحياة لتكتشفي نفسك وسط ما يمكن أن تسميه مفترق سبل أو كما يحب أن يسميه أباك تصادم حضارات. في ظل هذا تصادم قد تجدين نفسك كغيرك واقفة محتارة لا تدرين أي سبيل تسلكين، فعلى رأس كل سبيل من يمثله فالأول مثلا يقول لك كوني لي جوهرة أكون لك غطاء كوني لي أمة أكون لك عبدا، والثاني يقول لك ما بال كل تلك الأغطية التي تلتف من حولك؟ مزقيها وتحرري وتعالي عندي فأنا الذي يعرف كيف يتعامل معك سأجعل منك نجمة ساطعة في السماء لا يغطيها شيء يراها كل الناس، أما السبيل الثالث فمن يمثله قد أخد شكل امرأة ليقول لك تعالي معي أنا ودعيك من تلك السبل الذكورية دعيك من الرجال فهم متغطرسون ولا يفهمون أنا من يجب أن تتبعيها إنسي أمر الأمير واحتفظي بالحداء، فالحياة ليست رجل، كوني أنت رجل هذا الزمان.

 
بنيتي، في الحقيقة تتعدد السبل وبتعددها تزداد الحيرة، فيصعب على العقل العادي في زماننا أن يفرق بين الحق والباطل، وبالتالي وجب عليه أن يكون متصلا ببوصلة الحق تلك المضغة الصالحة أي ذاك القلب الذي يعقل ويفقه، حينها فقط ستبدئين بالتعرف على ذاتك من خلال إيجاد أجوبة ضمنية لسر خلق الله جل جلاله لنا على هذه الشاكلة وبهذا الاختلاف الذي ربطه الله عز وجل في كتابه الكريم باختلاف الليل والنهار، لا لإعلاء قيمة الليل ولا لإنقاص قيمة النهار. وإن عدنا إلى بداية الخلق كيف أن الله جل جلاله خلق أدم عليه السلام ونفخ الروح فيه فكان الخلق الأول، ثم من أدم أخرج منه أمنا حواء ليكون التكامل بينهم مبدأ أساسي لتحقيق الخلق الأول، سيتضح لك مفهوم آخر للرجل والمرأة ليس بالمعنى التفريقي الذي نراه اليوم بل بمعنى أرقى تكاملي ككيان واحد حيث يكمل الجنسين بعضهم البعض فلكل دوره ومهامه ولكل في خلقه ما يلزمه لتكملة هذا الدور.

 

undefined 

 
بعد أن تتعرفي على ذاتك وتضبطي بوصلة الحق لديك، سيتعين عليك الأن أن تختاري وجهتك بين تلكك السبل وهنا يحين دور سؤال مصيري "ما هو النجاح؟"، بقدر بساطة هذا السؤال بقدر تعقيد اختلاف الإجابات عنه، لأنه إن صح القول لا يمكن أن نرى النجاح من زاوية واحدة هناك النجاح في الأخرة والنجاح الدنيوي، وحتى هذا الأخير ينقسم إلى عدة أنواع كالنجاح أسري والنجاح مهني… ربما عندما تنظرين من حولك ستكتشفين أنه لكل واحدة طريقتها في صياغة تركيبة نجاحها التي ستبنى عليها قراراتها ربما لبقية حياتها… لكن مهلا يجب أن تتأكدي أن تركيبة نجاحك بنيت على إرادة حرة وفطرة سليمة وليست نتيجة برمجة وتنميط قد تخضعين لهم من خلال برامجنا وأفلامنا ومواقع التواصل الاجتماعي.

 
بنيتي، أنسج لك اليوم هذه الكلمات وأنا أشعر بشيء من الخوف، نعم أخاف أن أراك لا تتعظين من نهاية نفق حياة بعض نساء اليوم، كتلك التي تعيش حياتها كلها لتكتشف في الأخير أنها لم تعش ماهيتها، بل أنها كانت فقط محصورة في جسد ذو مظهر لا يلبي إلا معايير مصطنعة وضعتها الرأسمالية الحديثة.

 
أو كتلك التي رؤيتها تحز في القلب، تجدها بعيدة كل البعد عن الرضى وتقبل الذات بل قد تصل إلى مرحلة تثور فيها على أنوثتها، سقف أحلامها أن تكون رجل، لتكتشف في الأخير أن حياة الرجل ليست بذلك التميز الذي كانت تظن. والأسوأ من ذلك هي تلك التي تدفن نفسها في قبر الضحية وتكتب على شاهده "لأنني لست رجل"، فتجعل بينها وبين نجاحها حواجز وهمية تؤمن بها فتراها حقيقة لتعيش حياتها كلها أسيرة نفسها.

 
بنيتي الغالية، احرصي على أن تكون تركيبة نجاحك متوازنة، لا تضيعين فيها حق آخرتك ولا حق دنياك، وإن أتاك من يتلاعب بالكلمات المنمقة ليزرع فيك حقدا تجاه الرجال افتحي عينيك بحكمة وستجدين أن الكل له نصيبه من الابتلاءات وتأكدي أن وطأة الحياة لا تفرق بين رجل وامرأة. أما إن جاءك من ينقص من قيمتك كامرأة ابتسمي بثقة وأغمضي عيناك ثم تخيلي تلك المرأة التي تسابق سيد الخلق إلى الجنة، نعم كانت امرأة لا عيسى ولا موسى عليهما السلام لا أبو بكر ولا عمر ولا هي من أهل البيت، فقط امرأة يجهلها العباد ويعرفها رب العباد نجحت في مهمتها فكتبت مع الفائزين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.