شعار قسم مدونات

رحلة في اضطراب نفسي.. رض ما بعد الصدمة

Blogs- sad

في ليل مظلم بلا قمر، تمدد على تربة ينظر إلى السماء، كانت السماء مُتَنَفّسه الوحيد للراحة والأمان، حينما يتذكر تلك الأيام العصيبة التي عاشها ولا يستطيع أن يمحيها من ذاكرته، يهرول إلى متنفسه، يُقَلّبُ عينيه بين النجوم فيشعر براحة وهدوء بعدها، إنها لا تلهيه فقط وإنما تحررّه من الألم الكامن في قلبه.

            

يبدو أن الإنسان في كثير من الأحيان عندما يكون على سَجِيّته السليمة يتصرف بشكل تلقائي بطرق تخفف من ضغوطه وتحرره من آلامه، تحريك العين بين النجوم في السماء، مراقبة تحليق الطيور متنقلة من شجرة إلى شجرة، تقليب العين بين ألوان الأزهار، متابعة حركة أمواج البحر، كل هذا عمل تلقائي يخفف من التوتر ويحرر الضغوط من العقل، جاء في القرآن عن وصف الخوف قوله تعالى: (فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ)، في تفسير الآية أي ينظر يمينا وشمالا محددا بصره ، فكأنه فعل تلقائي عند الإنسان لتخفيف الخوف أو الضغط والتحرر من القلق، ومن ملاحظة هذه الظاهرة من العالمة "شابيرو" في أواخر القرن الماضي عندما كانت تتنزه وتحرك عينيها يميناً ويساراً بين الأشجار على طرفي الطريق لاحظت أن هذه العملية ﻗد انقصت المشاعر السلبية العاطفية المرتبطة بأزمة محزنة خاصة كانت تمر بها حينذاك، هذا الاكتشاف قادها إلى (علاج اضطراب رض ما بعد الصدمة بحركات العين) وهو علاج ناجح جدا للعديد من الاضطرابات النفسية.

                         

من أعراض هذا المرض إﻋﺎدة معايشة سمات الحدث المؤلم ﻓﻲ طريقة واضحة ومحزنة ورؤية كوابيس، أو وجود محفزات ﻓﻲ البيئة الحالية التي تذكر المريض بالحدث المؤلم والتي يمكن أن تسبب ضيق حاد
من أعراض هذا المرض إﻋﺎدة معايشة سمات الحدث المؤلم ﻓﻲ طريقة واضحة ومحزنة ورؤية كوابيس، أو وجود محفزات ﻓﻲ البيئة الحالية التي تذكر المريض بالحدث المؤلم والتي يمكن أن تسبب ضيق حاد
            

يجلس الإنسان مُركّزاً على عمله، أو في جلسة عائلية، أو في محاضرة أو درس، تفاجئه صور أليمة قديمة، تمر أمام عينيه وكأنها تحدث الآن، يبدأ بالانفعال وتظهر علامات فسلجيه لا يستطيع السيطرة عليها، إن هذا الشيء يأكل ويتلف حياته إذ أنه يغيب تماما عما يجري حوله، يمضي الوقت وهو يشعر أنه أضاع اللحظة، بقي عالقا مع آلامه التي تُضِّيق صدره، مع الوقت يشعر بالعجز والضياع، لا طعم للعمل أو الراحة أو الاستمتاع، لا قدرة على التركيز، محاولة البعد عن كل ما يُحفز أو يُذكر بهذه الصور المؤلمة، فقد للنشاط وعيون مفتوحة لكنها لا تملك القدرة على أن ترى شيئا أو تركز في ما حولها، وهذه هي ردود الأفعال العاطلة (الغير مناسبة) للحياة اليومية.

          

أتحدث هنا عن اضطراب رض ما بعد الصدمة، ولِأًخذِكُم في جولة تعريفية عن هذا الاضطراب أوجزت التالي " يُعرّف الكرب (الصدمة) مؤخرا من خلال الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية الأمريكي الإصدارالرابع ﻓﻲ شكل أحداث متطرفة الشدة التي تتضمن خطر الموت الفعلي ﺃﻭ المهدﺩ بالموت ﺃﻭ الإصابة الجدية ﺃﻭ تهديد للسلامة الطبيعية للنفس أو الآخرين"، لقد وجد ﻓﻲ البحوث السريرية بأنه ليست الأحداث الصدمية المؤلمة والشديدة ﻓﻘﻁ ﻫﻲ التي يمكن ﺃﻥ تسبب اضطرابات نفسية، حدث بسيط نسبيا ﻓﻲ الطفولة (ومثال ﻋﻠﻰ ذلك: انتقاد من قبل زملاء المدرسة ﺃﻭ الاستخفاف من قبل أبويه) والتي لا تُعالج من قبل الدماغي بشكل كافي ﻗﺩ تسبب اضطراب  نفسي، ﻫﺫﻩ الصدمات الصغيرة يمكن ﺃﻥ تؤدي إلى مشاكل ﻭاضطرابات الشخصية التي تؤسس قاعدة لظهور أعراض اضطراب رض ما بعد الصدمة وردود الأفعال العاطلة.

                   

الإثارة العاطفية الشديدة وﻫذا يتضمن الحساسية الزائدة أو فرط اليقظة والقلق والجفول وردود الفعل المبالغ فيها، ك (الهيجان، الصراخ، التصرف العنيف، فقد الأعصاب، نوبات غضب)
الإثارة العاطفية الشديدة وﻫذا يتضمن الحساسية الزائدة أو فرط اليقظة والقلق والجفول وردود الفعل المبالغ فيها، ك (الهيجان، الصراخ، التصرف العنيف، فقد الأعصاب، نوبات غضب)
         

ﺇﻥ ﺍﻷﻋﺭﺍﺽ الأكثر شيوعا لهذا الاضطراب ﻫﻲ كالتالي:

1- ﺃﻋﺭﺍﺽ ﺇﻋﺎﺩﺓ اجترار الصدمة أو الرضح أو الكرب من خلال ذكريات اقتحامية (صور، أصوات، روائح، أحاسيس جسمية تأتي بشكل فُجائي لا إرادي، أي أنها تقتحم عقله اقتحاما) وإﻋﺎﺩﺓ تذكر ومعايشة سمات الحدث المؤلم ﻓﻲ طريقة واضحة ومحزنة ورؤية كوابيس، أو وجود محفزات ﻓﻲ البيئة الحالية التي تذكر المريض بالحدث المؤلم ﻭالتي يمكن ﺃﻥ تسبب ضيق حاد ﻭﺭﺩﻭﺩ ﺃﻓﻌﺎل ﻓﺴﻠﺠﻴﺔ.

2- تجنب ما يسبب التذكير بالصدمة: ﻫﺫﺍ يتضمن تجنب الناس، والحالات ﺃﻭ الظروف التي تشابه أو ترتبط بالصدمة (الابتعاد عن أي شيء، أي نشاط، أي مكان أو شخص قد يثير عنده ذكريات اقتحامية، والشعور بالخوف الشديد عند الاضطرار لمواجهة المثيرات).

3- الإثارة العاطفية الشديدة: ﻫﺫﺍ يتضمن الحساسية الزائدة ﺃﻭ ﻓﺭﻁ اليقظة والقلق والجفول وردود الفعل المبالغ فيها، القلق ﻗﺩ يسبب ﻗﻠﺔ التركيز أثناء اليوم ﻭينام مضطربا في الليل (الهيجان، الصراخ، التصرف العنيف، فقد الأعصاب، نوبات غضب).

4- التنمل أو التبلد العاطفي: ﻫﺫﺍ يتضمن عدم التمكن من امتلاك المشاعر ﻭالانفصال عن الواقع الذي ﻗﺩ يسبب انسحاب ﻋﻥ الناس وعزلة اجتماعية (يشعر الشخص بوجود فراغ، لا يستطيع تمييز مشاعره، لا يستطيع التعبير عنها، لا يشعر بالراحة عند الشعور بها أو عندما تطفو على السطح).

5- ﺍﻷﻋﺭﺍﺽ الأخرى مثل الكآبة والقلق ومشاعر الخزي والذنب للبقاء على قيد الحياة وﺨﺴﺎﺭﺓ القدرة على التمتع بالأشياء.

        

هذه المدونة الأولى لسلسلة مدونات سأكتبها عن هذا الاضطراب وعلاجه بحركات العين. استعنت لكتابة هذه المدونات بكتاب "معالجة الاضطرابات التالية للصدمة بعلاج إبطال التحسس وإعادة المعالجة بحركات العين" د. وليد خالد عبد الحميد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.