شعار قسم مدونات

أنا يا صديقة متعبٌ بكرديتي

People celebrate to show their support for the upcoming September 25th independence referendum in Kirkuk, Iraq September 11, 2017. REUTERS/Ako Rasheed
لم تكن اتفاقية سايكس بيكو تغييراً للجغرافيا فقط، إنما غيرت المنطقة فكرياً وعقائدياً ومزقتها اجتماعياً؛ فأنا أنتمي إلى مدينة كانت تتبع للدولة التركية، وبعد هذه الاتفاقية أصبحت مواطناً سورياً، جرة قلم غيرت مصيري، وموهبةٌ في الرسم شردت عشيرتي، واتفاقياتٌ سياسية قهرت شعبي.

ومثل مدينتي في سوريا، كثيرةٌ من المدن الكردية التي تغيرت مصيرها، وعلى سبيل المثال جزيرة بن عمر، التي كانت تعرف بجزيرة بوطان، كانت تتبع للإقليم الكردي في العراق، وهي الآن تتبع لدولة التركية، هذه الجزيرة المعروفة، جزيرة مولانا أحمد الخاني أمير شعراء الأكراد ومؤلف الملحمة الشعرية ممو زين، التي ترجمها العلامة محمد سعيد رمضان البوطي إلى العربية، وهو عالمٌ سوري، كردي الأصل من جزيرة بوطان نفسها. لم يكن من السهل العيش في مجتمع تشبع من المدرسة البعثية، لم يكن من السهل العيش بينهم، وهم أصحاب الفكر الواحد واللون الواحد والقائد الأوحد، أن تكون كردياً.

مورس على الشعب الكردي أبشع وأقسى القوانيين العنصرية والتميزية منذُ اتفاقية سايكس بيكو المشؤومة، فالأنظمة التي توالت على الشعوب العربية والتي يشكل فيها الشعب الكردي نسبة، لم ترحم الكرد، هم لم يرحموا العرب، ولكن كان الكردي يدفع من دمه الثمن الباهظ، حاربونا بالعلم والتعليم، بل وصل بهم الحد إلى بشاعة محاربتنا في لغتنا، حتى نشأ جيلٌ كردي كامل، لا يعرف أن يكتب ويقرأ بلغته الأم، وأنا من هذا الجيل وللأسف الشديد.

هذا حلم الأجداد والآباء، نعيشه نحن الأحفاد، فلا تبخسوا علينا حقنا بالفرح والسرور، وحكموا العقول بعيداً عن العاطفة الهوجاء، وفي هذا المقام أنا أخاطب العقلاء. وكفى هذا الهجوم والقذف بحق الكرد

تساءلتُ دوماً، ما بالهم يتغنون بصلاح الدين الأيوبي القائد الكردي المسلم الذي حرر الأقصى، وهم ينامون ويستيقظون على ظلم أحفاده. آلافٌ مؤلفة حرموا من الجنسيات، يعيشون بيننا نحن البشر دون أي وثيقة تثبت بأنهم على قيد الحياة، فأي ظلم أشد قساوة وضراوةً من ذلك؟

آلافٌ مؤلفة حرموا من التعليم، وأتذكر إلى يومنا هذا، صديقي جفان، الذي درس معي حتى الصف السادس وقرر بعدها ترك الدراسة، علل ذلك بأنه لن يستطيع المواصلة في التعليم لأن القانون السائد سيمنعه من دخول أي جامعة أو كلية أو معهد مستقبلاً، فترك الدراسة ولجأ إلى مهنة يدوية يتعيش منها، مستجيباً لنصيحة أستاذنا، نعم مُدرسنا في الفصل نصحه ونصح غيره بالقول، لا تضيع وقتك بالتعليم، لا تنسى أنك كردي. تخيلوا معي يا معشر البشر، فرزوا إلى مناطقنا أساتذة لينصحوننا بترك التعليم. وإن تطرقت إلى الحوادث والقصص التي مرت على رأس الكرد، لن أكتفي بمدونة ولا ألف مجلد، فالصرخة الواحدة أحياناً تعبر عن مدى الألم، ولكنها لا تعني انتهاء الألم مع انتهاء الصرخة.

هذا الباب يؤدي إلى طريق طويل ومتشعب ولا أريد التشتت أكثر من ذلك، ولكن بعد كل الظلم الذي وقع علينا، ما زال كثيرون ينظرون إلى الشعب الكردي بنظرة المدرسة البعثية، أعلم أننا نحتاج إلى سنوات أكثر لتتعفى شعوب المنطقة من هذا الانغماس الفكري، ولكن في الوقت نفسه لا أريد أن تطول هذه الفترة، وأن نُحكم العقل، فمن ينادي بحرية فلسطين الحبيبة، ليس من حقه أن ينكر حق الشعب الكردي، ها هو يوم 25 أغسطس 2017، يقترب، ليتوجه الكرد إلى صناديق الاستفتاء ليقرروا مصيرهم في كردستان العراق، هذا حلم الأجداد والآباء، نعيشه نحن الأحفاد، فلا تبخسوا علينا حقنا بالفرح والسرور، وحكموا العقول بعيداً عن العاطفة الهوجاء، وفي هذا المقام أنا أخاطب العقلاء. وكفى هذا الهجوم والقذف بحق الكرد، فمن لم يعش بين الكرد، لا يحق له إطلاق الأحكام عليهم.

خطر ببالي بيت الشاعر المحبب إلى قلبي نزار قباني، حين قال، أنا يا صديقة متعبٌ بعروبتي فهل العروبة لعنة وعقاب؟ في قصيدة عصماء هز أركان القاعة التي ألقى فيها. لا أحد يدرك مشاعر قباني آنذاك وهو يقول أنا متعبٌ بعروبتي، مثلي أنا، لأني حقاً يا صديقة متعبٌ بكرديتي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.