شعار قسم مدونات

يوسف العتيبة.. العلمانيّة وأصنام الجاهليّة

blogs-mosqe
ما لا يخفى على الجميع أن الأقوام قبل الإسلام كانوا يعبدون الأصنام وكثيرٌ من هذه الأصنام كانت تُصنع من التمر حيث يصنعها الرجل فيجعل منها معبوده طوال النهار فإذا ما جنّ عليه الليل وجاع أكلها! ليجعل من معبوده بالنهار عشاءه في الليل وهو ما كان سائداً قبل الإسلام، طبعاً إنّ العقل البشري السليم لا يقبل هكذا تناقضات (كيف أعبده نهاراً وآكله ليلاً) وهذا ما نلاحظه اليوم وفي وقتنا هذا أي أن الرجل يظلّ يمجّد ويدعو إلى الأمر ولكن إذا ما اقتضت مصلحته إلى انتهاك قوانين أو مبادئ هذا الأمر الذي يدعو إليه لم يتوانى في ذلك ولو أن غيره فعل لظلّ ينتقده ليلاً ونهاراً.

       

ولعلّ الفكرة وصلت إلى أنّ المقصود هنا هي "العلمانية" التي كثُرَ الحديث عنها والدعوة إليها في هذه الأيام وذلك بعد دعوة من السفير الإماراتي في واشنطن "يوسف العتيبة" ولكن أليس حريٌّ بمن دعانا لاتباع أمر أن يُرينا آياتٍ بيناتٍ في نجاح الأمر عنده عندما طبّقه واعتمده وبدأ يدعوه إليه؟ أم أنه يرى أن الديمقراطية لا تربطها علاقة في العلمانية وأن وجود الثاني لا يبرر وجود الأول؟ أم أنه يرى العلمانية في الرقص والمجون وشرب الخمر والدعارة وغيرها؟ أم أن العلمانية هي التطّور العمراني والحضاري دون غيره.

       

إن كان يرى أن علمانية بلدة  تتمثل في تطورها العمراني والحضاري وهذا ما يشهده الجميع في دولة الإمارات فنقول إن في هذه الأبراج الشاهقة تقيم جماعة "بلاك ووتر" الإرهابية التي قتلت وأوغلت في الشعب العراقي.

فلو وقفنا عند هذه النقاط مع دولة الإمارات كون أن سفيرها هو من بدأ بالدعوة للعلمانية. فبالنسبة لحريّة الفرد في التعبير وإبداء الرأي فقد فرضت الدولة الإماراتية غرامات مالية باهظة وعقوبة بالسجن تصل ل 15 عاماً لمن يُبدي موقفاً "متعاطفاً" مع دولة قطر على خلفيّة الأزمة الأخيرة في الخليج!

      

أليس هذا قمع صريح للحريات وإبداء الرأي حتى ولو بكلمات على حساب أي مواطن في مواقع التواصل الاجتماعي لحقّ عليه العقاب بالغرامة والسجن، وجميعنا رأى المواطن الإماراتي "غانم مطر" عندما تحدث عبر حسابه في سناب شات قائلاً إن الأزمة ستنتهي ونحن وقطر أخوة حيث أنه لم يهاجم حكّام بلده ولم ينتقد سياساتهم فقد أبدى رأيه فقط فتم اعتقاله على الفور ولا يزال غائباً حتى الآن وناشدت (منظمة العفو الدولية) دولة الإمارات للإفراج العاجل عنه ولكن دون جدوى.

      

أهذا هو النظام العلماني الذي تريد أن تقدّمه يا سعادة السفير "نموذجاً" لباقي البلدان العربية التي ترونها بمنظور التخلّف. إذا كانوا يرون العلمانية هي بمخالفة الفرد لدينه ومعتقداته بشرب الخمور وارتياد المراقص والدعارة وغيرها من الأراذل. فإن غالبية الشعب العربي هو شعب مسلم ولا يمكن أن يتقبّل هذه الأمور التي يراها بمنظور "الفواحش والمنكرات" وهنا نلفت النظر إلى السعودية حيث أن فيها هيئات شرعية رسمية تحاسب من ينتهك قوانين الدين والشريعة. فهل سيصفها سعادة السفير بالتخلّف ويريدها أن تحل (هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) وأن تبيح ارتداء ملابس السباحة "البكيني" على شواطئها وأن تتخلى عن مكانتها الإسلامية كونها قبلة المسلمين وزعيمة العالم العربي والإسلامي.

         

لا تداوي الناس وأنت عليلُ، ولو أردت تغيير المجتمع فابدأ بنفسك. ولا نكون مثلما قال الشاعر (نُعيبُ زماننا والعيبُ فينا)

لكن إن كان سعادة السفير يرى علمانية بلدة بتطورها العمراني والحضاري وهذا ما يشهده الجميع في دولة الإمارات فنقول إن في هذه الأبراج الشاهقة تقيم جماعة "بلاك ووتر" الإرهابية التي قتلت وأوغلت في الشعب العراقي. وفي هذه الأبراج يقيم نجل المخلوع علي عبد الله صالح الذي يقتل اليمنيين ويقاتل التحالف العربي الذي تشارك فيه الإمارات بقيادة السعودية في اليمن! وأن هذه الدولة العلمانية دعمت "خليفة حفتر" ليقضي على الدولة الليبية وقد فعل. وأن هذه الدولة تحتل مناطق في اليمن وتطرد الأهالي من أماكن تواجدها وتقيم سجوناً سريّة تعتقل وتعذّب فيها اليمنيين فهل هذه هي العلمانية.

         

ومع كل هذه المتناقضات في دولة الإمارات يخرج سفيرها في واشنطن ليدعو إلى العلمانية! ناهيك عن دعم نظام الانقلاب على الشرعية في مصر أوَليس العلمانية تدعو إلى احترام رأي الشعب ومن حقه تقرير مصيره ضمن عمليات انتخابية ديمقراطية ونزيهة؟ وهذا ما حصل في مصر وهو انتخاب رئيس عربي بعملية انتخابات ديمقراطية يقول فيها الشعب كلمته وهذا ما نفتقده في المنطقة العربية ومع ذلك لم تُحترم مطالب الشعب المصري الذي انتخب الدكتور "محمد مرسي" حتى لم يلبث إلا وأطاحوا به ودعموا نظام السيسي حتى يصبح الرئيس المُنتخب في السجن وزعيم الانقلاب العسكري المُنقلب على الشرعيّة عبد الفتاح السيسي رئيساً لمصر!

   

أهذه هي علمانيتكم التي تروّجون لها؟ ولو ذهبنا بعيداً قليلاً وتذكّرنا صحيفة "شارلي إيبدو" الفرنسية حيث قامت هذه الصحيفة بالإساءة إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم والإساءة بذلك إلى أكثر من مليار مسلم وعدم احترام مشاعرهم ومعتقداتهم وهي في أكبر رموز العلمانية في العالم التي يتغنّى بها العلمانيين والليبراليين العرب فهل هذه هي العلمانية! وأختم بأني لا أكن عداوة لأي بلد عربي ولكن لا تداوي الناس وأنت عليلُ، ولو أردت تغيير المجتمع فابدأ بنفسك. ولا نكون مثلما قال الشاعر "نُعيبُ زماننا والعيبُ فينا".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.