شعار قسم مدونات

لكل غمة وكربة.. رصاصة رحمة

مدونات - حزن sad alone
نصارع هذه الحياة من بداية إبصارنا للنور، نصارعها بكافة أهوالها وتفاصيلها وأناسها وحقائقها المرَّةِ بعضها، كربة وغمة ثم يتبعها الله فرجاً، نَظَلُّ نتخبط بين الصحيح والخاطئ بين الجنة والنار، بين الطاعة والمعصية، بين الحسنة والسيئة، بين رقيب وعتيد..بين بداية ونهاية. ميَّزنا الله بأن لنا عقلاً يدرك ما حوله، قادرٌ على معالجة كل ملمة تواجهنا في حياتنا اليومية، لكن كيف سيعالج العقل ملمة كان للقلب حصة الأسد منها؟!
 
يا صديقي: ما زال قلبك ينبض ودماغك يعمل وحواسك تدرك ما حولها وأعضاؤك تعمل بكفاءة، إذاً ما زلت تتمتع بصحة جيدة لا يشوبها شيء سوى ملمة خارجية أحدثت اضراباً لا يذكر -بنظر غيرك-؛ فأنت لن تكون أمامهم سوى شخص عادي لا يبدو عليه أي علامات تنذر بالهلاك، ولن يبدو على وجهك أي شيء غريب، ولكن بالعمق يبدو الأثر. 
 

بادعائك أن الموت راحة، فقد أحسنت الظن كثيراً به، أعداؤُك كُثُر.. لا أَحد يموت مُتألماً لِيغيظ عَدوه، لا أحد يطيقُ عدوه إلا عندما نتعامل باستثناءات معينة

ما تعرضت له لا يرتقي لأن يكون حدثاً عظيماً تشغل به نفسك حتى أنهكتها كثيراً، ولكن رغماً عنك ستتعب ودقات قلبك ستتسارع، ستتولد لديك عوالم من الأفكار السيئة ثم سيصبح تفكيرك منحصراً في أمرٍ واحد فقط، وهو كيف أتخلص من هذا الأمر الذي يعتريني، إنه مؤلم ويقتل خلايا خفية في الجسد، إن استمر على هذا النحو وبأسلوبك هذا ستفقد نفسك إلى الأبد؛ بالطبع ستبدأ بالتفكير بأقصر الطرق وأسهلها تنفيذاً، وهو التخلص من نفسك، ما سيضاعف الألم أضعافاً مضاعفة هو أنك سوف تموت وحيداً، ولكن لعل في ذلك لذة خاصة، قد تكون النتيجة حقاً مأساوية؛ فأنا أؤمن أن كل الآلام باطلة ما لم تكن نفسية.

  
روحه تتخبط والعقل بدا أنه يفكر ولكنه ليس كذلك، العقل أصبح أعمى لا يرى الموقف، لقد ترك الأمر للقلب كي يحل المشكلة، الموت نصب عينيه يراه الحل الأمثل، يريد الإنتقام من نفسه؛ الدواء سيكون مر بشكل كبير إلا أنه سيأتي بالنتيجة المرجوة!…ما الأفضل؟ أن أموت كل يوم مئة مرة أم أن أموت مرة واحدة وانتهى الأمر؟! موجات من الوجع لن تنتهي أم دفعة واحدة من الوجع؟ جلادون كثر كل يوم يرهقون أنفسهم في تعذيبي أم أوقفُ الأمر بنفسي؟! لن أذنب بشيء، إنَّما رصاصة الرحمة قد شرعت لي الآن وسأطلقها..وسأرتاح إلى للأبد…هذا ما أقنعه الشيطان به واستقر في نفسه!..لقد استغل هذه الفرصة الذهبية واجتهد كثيراً في عمله .
 
بادعائك أن الموت راحة، فقد أحسنت الظن كثيراً به، أعداؤُك كُثُر.. لا أَحد يموت مُتألماً لِيغيظ عَدوه، لا أحد يطيقُ عدوه إلا عندما نتعامل باستثناءات معينة، لكن كيف لنا أن نَحيا إن لم نَمت؟ تَمني الإنسان للموت ما هو إلا إِبره مخدرة يأخذها متى يشاء، لا أحد يطلب تَغيير القدر ويُستجاب له.. جاء في الأثر "أطلبوا الموت توهب لكم الحياة". الإيمانُ بالله هو كل شيء، لكنه لا يكفي؛ عليك أن تُؤمن بأشياء أخرى كثيرة وتجعلها من أركان حياتك، أن تٌؤمن بمهتمك التي جئت لأجلها، أن تُؤمن بأن الحب لا يمكنه إِنقاذ أحد، أن تُؤمن أنَّ الموت راحة للأبدان لا الأرواح، وعادة ما يخبرنا الموت قبل قدومه ولكن قدومه لقبض روح القلب يجب أن يتم بسرية تامة لكي لا يقبض روح أكثر من قلب واحد دفعة واحدة.
 

أنت أقوى بكثير مما عليه الآن، فاصنع لنفسك معروفاً وكن كما أنت لا كما يريدك الشيطان، حكم عقلك دوماً وأعلِ كلمته، ولا تعلِ للقلب راية!

لو نظرت إلى المرآة ممعناً في تفاصيل وجهك وقد غشّاه السواد، ناظراً إلى الوجع عن قرب ممعناً في تفاصيله، مبحراً في عينيك ملياً، لشعرت بثقلهما فاعتصرتهما وإذ بالدموع تنهمر على الوجنتين، دموع مثقلة تحمل داخلها كل الحكاية، كلمات أبت أن تخرج من سجنها فحاولت بهذه الطريقة التنفيس عن حالها قليلاً، تصل الدمعة حدود الوجه لتفسح الطريق لغيرها بالمرور، مراراً وتكرارً حتى تتعب. لو حدقت أكثر في وجهك سترى في ظل هذا السواد نوراً، ستدرك أن الفرج يقترب، وأن الخير سيأتي، ولكنه الجرح يتطهر!، وعليه فإن الألم لا مفر منه.

 
انتهت المعركة، خذ الآن نفساً عميقاً، دعك من جُلِّ تلك الأفكار القبيحة، ألق بها بعيداً؛ "فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ" أذكر الله كثيراً واستغفر لذنبك واطرد الشيطان بعيداً؛ اجلس واطمئن واستعد للسجود؛ أنت لست وحدك ولن تموت وحيداً؛ اطمئن فالله عز وجل معك ملازماً لك في كل حين، يسمعك في أي وقت تريد، "إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَه"، قل لله ما بقلبك وافرغ عيناك وادعُ الله أن يشرح صدرك، "وَإِن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ"، فهذا الضر نتاج سنة الله في أرضه وكشفه سيكون باتباع سنته، وإن تأخر أمر الله "فَصَبْرٌ جَمِيلْ"، اقرأ القرءان فهو الشفاء لكل داء، وكن مع الله يكن معك، واحفظ الله تجده تجاهك.
 
يا صديقي، أنت أقوى بكثير مما عليه الآن، فاصنع لنفسك معروفاً وكن كما أنت لا كما يريدك الشيطان، حكم عقلك دوماً وأعلِ كلمته، ولا تعلِ للقلب راية!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.