شعار قسم مدونات

الإخوان المسلمين.. الهروب إلى التيار

blogs الإخوان المسلمين

الأزمة التي تعيشها جماعة الإخوان المسلمين أحدثت زلازل وعواصف وأعاصير بين أبناء الجماعة الواحدة. أحد هذه الأعاصير التي كادت أن تدمر الكيان شكلية الشورى والمؤسسات تحت قيادة مستمرة أبد الدهر، بحجة أن الوقت غير مناسب للانتخابات الكلية الشاملة، أو انتظار القيادات التي في السجون حتى تخرج وتقود الجماعة.

تغيب الحقيقة في ظل المبررات والحجج الكثيرة على أبناء الصف الواحد، وتخرج الجماعة من بؤرة التأثير وإدارة الصراع إلى تجمع ورقي عديم الفائدة منزوع الدسم. الإعصار الآخر الذي يواجه الجماعة الآن الخروج التام من فكرة التنظيم والجماعة صاحبة الأهداف الكبرى إلى فكرة التيار. سببه أن إدارة الجماعة في كثير من ممارساتها بعد الثورة وبالأخص بعد الانقلاب الدموي الخائن سيطر عليها حماية التنظيم وبقائه على فكرة إدارة الأهداف بشكل علمي واحترافي. كذلك تقديم مصلحة التنظيم على فكرة الأمة الجامعة بين جميع شرائح المجتمع كلها كانت ظاهرة واضحة بعد رجوع كثير من قيادات الجماعة عن المفهوم الثوري الشامل لكل ما تعنيه الثورة.

أحدث هذا الزلزال بعض الأصوات التي تنادي بهدم التنظيم والخروج عن أدبياته إلى فكرة التيار العام. معظم الأشخاص الذين ينادون بفكرة التيار العام ماتت في نفوسهم مسألة الجماعة التي تقوم على بيعة وأركان وأهداف كبرى وآليات تتجدد من آن لآخر حسب الظرف والواقع. كثير منهم يستغلون الجماعة بما لديها من باقي قوة، ويريدون أن يركبوا على ظهرها، حتى يذبحوها أمام العالم كله، كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا.

إن الهروب من الجماعة والتنظيم لساحة التلاطم الإعلامي مظهر من مظاهر تبني فكرة التيار. كما أن تكلفة البنيان التنظيمي بمواجهة الخونة بكل الوسائل الشرعية المتاحة مظهر آخر للهروب لفكرة التيار
إن الهروب من الجماعة والتنظيم لساحة التلاطم الإعلامي مظهر من مظاهر تبني فكرة التيار. كما أن تكلفة البنيان التنظيمي بمواجهة الخونة بكل الوسائل الشرعية المتاحة مظهر آخر للهروب لفكرة التيار

كل ما عند هؤلاء من مبررات أن الجماعة والتنظيم تضخم على حساب الأمة، واستغله بعض القيادات القديمة لمصلحتهم الشخصية، ورؤيتهم المحدودة، فكانت كارثة الانقسام والشقاق بين أبناء الفصيل الواحد، ولا حل في نظرهم إلا بالخروج من هذا الإطار المعقد إلى فراغ التيار الذي يشكل رأي عام بواسطة الإعلام وغيره في جمع شتات الأمة.

الهروب من الجماعة والتنظيم إلى ساحة التلاطم الإعلامي الذي أكثره أصبح سبوبة للرزق والاستقطاب مظهر من مظاهر تبني فكرة التيار. كما أن تكلفة البنيان التنظيمي في مواجهة الخونة بكل الوسائل الشرعية المتاحة مظهر آخر للهروب إلى فكرة التيار.

أدبيات الجماعة والتنظيم معلومة ومعروفة من حيث المشروعية والواقعية والتأثير القوي في خلخلة ودحر الأنظمة المستبدة، أما فكرة التيار فهي فكرة هلامية صوتية أشبه بالجعجعة التي ليس فيها طحنا، لا تاريخ ولا أدبيات ولا كيان وإنما أفكار مبعثرة مختلفة من شخص لآخر.

 

أخبث ما في فكرة التيار استغلال الواجهة التنظيمية التي لا يؤمنون بها، وإرادة تصدرهم لقيادة الجماعة بحق أو بغير حق بمبررات وحجج واهية، ولو كان عندهم شيء من الإنصاف والموضوعية بما إنهم يؤمنون بفكرة التيار أن يحلوا أنفسهم من فكرة الكيان والجماعة بكل أدب ومصداقية.

نعم قد يحتاج الوقت الآني منا في النظر في بعض سلبيات الجماعة، وكيفية الخروج بها إلى بر الأمان بالشورى والمؤسسية الحقيقية إلى إحداث رأي عام قوي بين شباب الأمة ورجالها ونسائها، وإحداث حالة من الوعي المتدرج للخروج من الأزمات الطاحنة والانقلابات الخائنة.

إن صدمة بعض الشباب بسوء إدارة الصراع من بعض قيادات الإخوان المسلمين، ليس مبررا لهدم الكيان كله على رأس من فيه، والخروج إلى فراغ قاتل بحجة إقامة التيار

الجماعة في نظري تستطيع بصفها الواعي، وقيادتها الملهمة أن توجد تيارا عارما من أبناء الأمة هادرا مزلزلا للطواغيت والطغاة، أما هدم الكيان والتنظيم واستبداله بفكرة التيار هذا أقرب للعبث الفكري والعته النفسي والخلل الحركي.

التدليل علي فريضة الجماعة من الناحية الشرعية والضرورة الإنسانية لا يطلبه إلا جاحد مستكبر ظن نفسه أنه فوق الجميع، فيد الله مع الجماعة لا مع التيار، والرحمة في التخطيط والتنظيم، والعذاب في فرقة التيارات التي لا تعرف لها أول من آخر، والله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص.

أتفهم صدمة بعض الشباب في سوء إدارة الصراع من بعض القيادات، لكن ليس ذلك مبررا لهدم الكيان كله على رأس من فيه، والخروج إلى فراغ قاتل بحجة إقامة التيار. الجماعة رغم الضربات القاسية فيها خير كثير لو أحسنا استخدامه وتوظيفه، ما رأيت صفا أنبل ولا أروع ولا أجمل من صف الإخوان، لكنه مجروح ومصدوم ومقروح، فالأولى أن نضمد جراحه، ونقيل عثرته، ونهدم صدمته، ونقوي عزيمته، ونرفع إرادته، ونعيد له ثقته بنفسه، والقدرة على تجاوز جرحه وقرحه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.