شعار قسم مدونات

أعمدة القلعة.. تاريخ مقاطعة الجزائر "لإسرائيل"

مدونات - الجزائر فلسطين
في الوقت الذي تتهيأ له دولة عربية بمكانتها الدينية السامية، ومكانتها السياسية والإقليمية للدخول في بيت الطاعة الأميركي، والذي تسميه أميركا وحليفتها الأزلية "إسرائيل" "دول الاعتدال الإسلامي"، قائدة -أي الدولة ذات المكانة- معها دول الخليج ودولا أخرى لتقديم قربان الطاعة من خلال التطبيع النهائي التام مع كيان مغتصب للأرض والمقدسات، يتم التحضير والتمهيد لهذا الأمر عبر تنظير فكري ديني وحملات إعلامية.

 
تظل الجزائر المعروفة بقيادتها لمحور المقاطعة كقيمة اجتماعية ومرتكز سياسي للدبلوماسية الخارجية الجزائرية، وهو الأمر الموروث عن مبادئ وثيقة أول نوفمبر التي يقوم عليها الدستور الجزائري، تظل مستهدفةً للدفع بها نحو سلوك هذا المنحى الغريب عن منجزات الثورة الجزائرية المجيدة ومبادئها القائمة على دعم حركات التحرر، فما بالك بحركة تحررية تريد الانبثاق عن قوة امبريالية دينية جاثمة على المسجد الأقصى المبارك! 

 

تريد بعض الجهات أن تقنع شعوبها بضرورة السير على هذا الدرب المشين من بعد أن أطلقت في المرات العداد بالونات اختبار جست بها نبض الشعوب، التي بدورها ما زالت أمينة على أمانة تركها رسول الله وخلفاؤه الراشدين في رقاب المسلمين وبقيت نقية بفطرتها الرافضة للظلم والاستعمار، ووفية لثقافتها الرزينة العارفة بطبيعة الصديق وهوية العدو، ستبقى على مثل هذه القيم عقبة أمام طريق التطبيع!

 
لا يعتبر هذا الواقع الاجتماعي نقطة مجهولة عند قادة "إسرائيل" وجيشهم الفكري والسياسي والثقافي من الباحثين، ولا حتى عند قادة الدول المهرولة وراء تطبيع علاقتها مع هذا الكيان.

 
ولطالما انطلق التطبيع السياسي عبر ممهدات تروض هذه المقاومة الشعبية عبر تطبيع ثقافي تقوده جملة من النخب الثقافية المنقطعة عن هوية المجتمع والمنفصمة عن آلامه وآماله من قادة الاستيراد القيمي لثقافة الغير. أو عبر تطبيع رياضي يقيم من غير منظومة القيم الحاكمة للضمير الجمعي للمجتمعات.

 
بقيت الجزائر مستهدفة عبر فترات مستمرة برياح التطبيع مع "إسرائيل"، وهي النموذج الاجتماعي الملهم لحركات التحرر في العالم من خلال قيادتها ثورة التحرير المجيدة عبر شعب بسيط أعزل، ودون مقومات القوة المادية لمجاراة أعتى قوة إمبريالية في القرن العشرين. لذلك لن تطبع الجزائر يوما مع "إسرائيل." 

 

 شاب جزائري يقوم بحرق العلم الإسرائيلي خلال مظاهرات للتضامن مع الفلسطينيين (رويترز)
 شاب جزائري يقوم بحرق العلم الإسرائيلي خلال مظاهرات للتضامن مع الفلسطينيين (رويترز)

 
نسلط الضوء على مجموعة من الأعمدة التي يقوم عليها هذا البناء الجميل وهذه القلعة الصلبة:

 
تاريخ مقاطعة الجزائر ل "إسرائيل"
إن الناظر في الكرونولوجية التاريخية في طبيعة علاقة الشعب الجزائري مع هذا الكيان السياسي مشوه النشأة المسمى "إسرائيل" يعرف تاريخا ناصعا من القطيعة والمقاطعة.

 
عميد المقاطعة الإقتصادية: رجل الصحافة الفنان عمر راسم
لقد كان الرسام التشكيلي الجزائري عمر راسم الذي تحبذ بعض المصادر التاريخية بأبو الصحافة الجزائرية من خلال إصداره أول جريدة في الجزائر المستعمرة -جريدة الجزائر سنة 1908م- أول كاتب صحفي يرصد خطر الصهيونية العالمية على فلسطين، حتى قبل أن تسقط في الانتداب البريطاني سنة 1917م من خلال بحث رصين نشره في جريدته الثانية جريدة ذي الفقار سنة 1914م سماه "المسألة الصهيونية". 

 
لم يكتف في مخاطبته لمجتمع يقبع تحت الاحتلال الفرنسي ويلقى الويلات خاصة من خلال التجنيد الإجباري بهدف التحضير لدخول الحرب العالمية الأولى من أن يؤصل حركيا وينظر عمليا لما يسمى الآن بالمقاطعة الاقتصادية من خلال عبارة راسخة لا تزال حية المدلول بقوله: إن عمر اليهود الصهاينة في التجارة. 

 
عميد المقاطعة المفاهيمية: إمام مسجد التقوى
ستظل المفاهيم والمصطلحات مبنى خاصا يحمل ما شاء من المعنى. ولذلك تجد أن منظري التطبيع مع "إسرائيل" ينتقون مصطلحاتهم انتقاء حريصا، وتفرغ جملة منها لتعيد بناءها بمفاهيم جديدة. ولعلى من التطبيع المصطلحي المفاهيمي استخدام مصطلح "إسرائيل" للدلالة على كيان محتل معطيا له شرعية في الوجود.

 

ولذلك تجد أن هذا المصطلح حتى، لا يزال عصيا على المجتمع الجزائري تقبله رغم محاولات عديدة لتسويقه في المجتمع الجزائري منذ عصر بيتار -الشبيبة الصهيونية- سنة 1934م وصولا إلى محاولة تمرير هذا المصطلح على خريطة جغرافية في أحد الكتب المدرسية والتي ولدت ثورة كبيرة أفشلت هذا المخطط. ولتجدن مصطلحا تستخدمه عدة جهات فكرية وثقافية وإعلامية وحتى سياسية في مقام دول هو مصطلح جزائري النشأة ألا وهو مصلح "الكيان الصهيوني" لتجنب استخدام مصطلح "إسرائيل" كان إمام فقيه أضاع التاريخ اسمه لكنه ترسخ بصفته إمام مسجد التقوى وسط العاصمة الجزائر في خطبة جمعة حارة ذات يوم ساخن تحت الاستعمار الفرنسي في بدايات القرن العشرين. 

 

لمَ لن تسقط هذه القلعة؟ لأنها مسقية بمداد العلماء والرجال المخلصين وعرق رجال الرياضة الذين يكدون لسنوات عديدة لكنهم ينسحبون بمجرد رؤيتهم أنهم يمثلون ثغرا تمر عبره رياح التطبيع

عميد المقاطعة الأدبية: الشاعر المصلح إبراهيم أبو اليقضان
من أدوات التطبيع تمرير الأدب والفن على أنه أساس التواصل بين المجتمعات والطبوع الفنية والأنواع الأدبية. لكن الجزائر بفنانيها ورجال الأدب فيها ليومنا لم يتجرؤوا ولو طمع بعضهم في ذلك على التطبيع مع الكيان الصهيوني عبر البوابة الثقافية. ولتجدنّ الجزائر دائما حريصة من خلال شعبها رصد مثل بعض التجاوزات وكشفها كان آخرها محاولة عرض فيلم أميركي تشارك فيه ممثلة إسرائيلية في دور سينما الجزائرية. ولعل هذا الرصيد يعود لرجال عديد أهمهم أبو اليقظان الذي أوقف حياته الأدبية الثقافية لكتابة دواوين الشعر عن قضية فلسطين وهو أول من كتب قصيدة من 300 بيت عن فلسطين.

 
عميدا المقاطعة السياسية والفكرية
تخصص الدبابات الفكرية الصهيونية جهدا عظيما للتأصيل لوجوب التطبيع مع "إسرائيل" من أجل الحياة الهنيئة السليمة وبل المتطورة. وخصصت هذه الدبابات رجالا تقود هذه الحملة في الجزائر. كانت آخر محاولة لمفكر جزائري متغرب أصل بوجوب وجود العنصر اليهودي في كل مجتمع يريد النهضة والتطور كتمهيد للتطبيع مع "إسرائيل".

 

لقد كان الوجود الصهيوني في الجزائر إبان الاستعمار الفرنسي عاملا هاما للتحضير لقيام هذا الكيان على أرض فلسطين من خلال جهود الشبيبة الصهيونية "بيتار"، ومن خلال تقديمها جملة من الدورات التكوينية والمحاضرات التنظيرية بهدف إقناع أكبر كتلة من يهود فرنسا من الكولون والجزائر لدعم هذا المسعى. وبل حتى العمل من خلال المدارس الفرنسية على دس سم التطبيع في عسل التعليم الفرنسي. ولعل الرجل العظيم الذي يشهد له التاريخ ببنائه للهوية الفكرية والثقافية اليوم لمجتمع الثورة هو قائد الحركة الإصلاحية الشيخ عبد الحميد بن باديس الذي انبرى يرد الشبهات التاريخية ويقود عملا سياسيا توجه ببرقية احتجاجية في نوفمبر 1933م لوزارة الخارجية الفرنسية يرفض فيه التجاوزات اليهودية في فلسطين. وخليفته من بعده شيخ الجزائر الشيخ البشير الإبراهيمي الذي وجه رسالة رفض لحكومة فرنسا التي اعترفت ب"إسرائيل" وبرقية مماثلة لهيئة جامعة الدول العربية لرفعها لمنظمة الأمم المتحدة.

 
لم تكن الحادثة الرياضية الأخيرة إلا محاولة أخرى فاشلة من قادة عملية التطبيع لثني الجزائر على المضي في خيارها الراسخ تراكميا عبر أرمادة من عمداء مقاطعة هذا الكيان وأعمدة دعم حركة تحرر تدافع عن الوطن ومقدسات المسلمين. وستظل هذه المكينة الاجتماعية قائمة مثل القلعة الصامدة تصد رياح التطبيع.

 
عرفتم لما لن تسقط هذه القلعة؟ لأنها مسقية بمداد العلماء والرجال المخلصين وعرق رجال الرياضة الذين يكدون لسنوات عديدة لكنهم ينسحبون بمجرد رؤيتهم أنهم يمثلون ثغرا تمر عبره رياح التطبيع لتصيب أمة قائمة بدماء الشهداء الذين تركوا وصية الدفاع عن الأوطان وحماية المقدسات الإسلامية والدفاع عن المظلومين عبر المعمورة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.