شعار قسم مدونات

لقد جربتم جميع الكلاب.. فهل جربتم القطط؟!

blogs - مزرعة خراف
كانت هناك مزرعة كبيرة يقطنها عدد من الأغنام وكان لهذه الأغنام حرس وعسس من الكلاب، هذه الكلاب ليست كما تصورها أفلام الكرتون طبعا؛ بل على النقيض تماما؛ فقد كانت تبتز الأغنام وتفترسها وتتعاون أحيانا مع الذئاب والثعالب وتقدم من يستحق العقاب في نظرها من تلك الأغنام قربانا لاستمرار تلك العلاقة الجهنمية الغريبة.

لم تعد الأغنام تطيق صبرا وقررت أن تؤدب تلك الكلاب، فأجمعت أمرها وانتفضت ونجحت في طردها بعيدا عن المزرعة، ففرحت واحتفلت لأيام والذئاب والثعالب تراقب متحينة الفرصة لاستغلال غياب الحرس والعسس.
انتبهت الأغنام أخيرا، فاجتمعت لمناقشة خطورة الأمر وأعربت عن نيتها في جلب كلاب جديدة؛ لتؤمن المزرعة وتحميها من غدر الذئاب ومكر الثعالب، فأعلنت بعد الاتفاق بينها عن تلك النية وفصلوا في الشروط ووضحوا الخطوط بما يكفي لمن سيكون في المستقبل حارسها الأمين.

بدأت الكلاب تأتي من كل حدب وصوب وجابت أركان المزرعة، كل منها يعد الأغنام بالأمان والطمأنينة ورغد العيش تحت حمايتها وإدارتها الحكيمة، والأغنام في سكرة شديدة من الفرح بهذا النصر العظيم المنتظر، منبهرة برؤيتها التي تبعد مسافة خطوات من أن تتحقق.
وأخيرا.. وبعد أيام مرت كسنوات من الانتظار اختارت الأغنام من الكلاب من ارتأت فيه القدرة على تحقيق آمالها وطموحها في العيش بأمان وسلام، وسلمت لهم مقدرات المزرعة طائعة راضية ورجعت إلى حظائرها مطمئنة.

المؤيدون للقط كانوا أكثر حماسا لرأيهم ويجيبون عن تساؤلات ومخاوف المعارضين بسؤال واحد بسيط: لقد جربتم جميع الكلاب فما المانع من أن تجربوا القطط؟! 

لكن تلك الأغنام لم تلبث إلا قليلا لتصدمها أفعال الكلاب الجديدة التي اختارتها لحمايتها؛ لقد أعملت قتلا وافتراسا وطردا في سكان المزرعة، وجلبت من الذئاب والثعالب من يعينها على ذلك، فتلك الكلاب الخبيثة لم تكن سوى ربائبا للذئاب وتلاميذا للثعالب عاشت في أحراشها وبين أوكارها وتربت على المكر والغدر، فلما حانت الفرصة لرد الجميل لم تقصر ولم تتأخر للحظة.
عاشت الأغنام أياما من البؤس والخوف لم تعشها سابقا في ظل إدارة الكلاب الجديدة، عانت الجوع والحاجة، تذللت وطالبت بخنوع ولم يتغير شيء، لم تستطع أن تنتفض هذه المرة خوفا من أن يكون الغد أسوأ من اليوم، ففقدت الأمل واستسلمت للأمر الواقع.

وصل خبر تلك المزرعة للقطط الكبيرة فقررت إرسال قط تربى قطيطا في تلك المزرعة – فتلك المزرعة موقعها مهم وبالإمكان الاستفادة من حقولها وثرواتها- وبدأ يبحث ويدرس أوضاعها ويستفسر عن حال أهلها، ثم فجأة خرج عليهم مناديا بالتغيير ويعدهم بالأفضل وبدعم كل القطط له ولمصلحة المزرعة وسكانها، فتوهجت جذوة الأمل تحت رماد الخوف في تلك الأغنام واجتمعت من جديد لتتناقش حول الوافد الجديد ومشروعه الذي يحمل بين طياته الأمل في خلاصهم وانتشالهم من كابوسهم الواقع الذي يغرقهم أكثر فأكثر كل يوم.

تعالت أصوات المعارضين الرافضين لهذا القط الذي وصفه بعضهم بالخبيث، أما البعض الآخر وهم الأكثرية فهم معارضون فقط لأنهم خائفون، ولأنهم باتوا مؤمنين أن التغيير للأفضل لن يأتي في زمنهم هذا إنما في زمن لا تكون فيه الكلاب كلابا أو الذئاب ذئابا أو الثعالب ثعالبا. أما المؤيدون لهذا القط فقد كانوا أكثر حماسا لرأيهم ويجيبون عن تساؤلات ومخاوف المعارضين بسؤال واحد بسيط: لقد جربتم جميع الكلاب فما المانع من أن تجربوا القطط؟! 
وحتى الآن مازال الجدل قائما

* ملاحظة: القصة هي للعبرة والاعتبار وليست للنيل من أحد أو تعصبا لرأي معين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.