شعار قسم مدونات

وعدتهم بمستقبل أفضل.. وقد كان!

blogs الأمل

بين كل هذه الأحداث التي تقع، بقساوتها وعنفها واختلافها ومحاربتها لأبسط الحقوق، تنهال على القلب ضربات قاسية وكدمات لا تكاد تُرى لأن ألمها معنويٌ لا يحس به إلا من تربع الضمير في داخله، وترعرت التربية في نفسه، وما زالت إنسانيته بخير.

في الجزء الأول من الصورة، أشلاء الضحايا تتناثر، فوق السطوح وتحت الأنقاض، آثارهم.. ألعابهم.. ملابسهم وممتلكاتهم، لم يعد لها معنى، كلها زالت، اتسخت، صُبغت بلوني الرماد والدماء، وشمسهم لم تعد ترمز إلا ليوم جديد ربما سيصحب معه عذابًا أشدَّ من عذاب البارحة. وفي الجزء الآخر من الصورة، ينغمر الكثيرون في المظاهر، يولونها اهتمامًا أكثر من اللازم، يحكمون على غيرهم من خلالها، ويتخذونها مقياسًا لتصنيف الناس. صورة سوداء بكل جوانبها، لا أحد يستطيع أن ينكر ذلك؛ فالشر يبدو بظاهر الأمر منتصرًا دائمًا.

من منا لا يتأثر؟ كلنا يفعل ذلك ولكن بأسلوبه الخاص، وهنا تكمن القضية.. حين يرى أحدهم مثل هذه الصورة، وقبل أن تدخل كاملةً إلى عقله، تبدأ ديباجات النقد وموشحات السب والتعليق، يدلي برأيه علنًا في كل تفصيل، وكأن الجميع ينتظر ما عنده بلهفة، ومع كل حدث جديد على الساحة، يكون السبق الإعلامي في (بوست) على صفحة صديقنا مملوءٍ بـ (الطخ) العشوائي على جميع الاتجاهات، يرفض هذا وينتقد ذاك، ولا رأي محددًا له، كل ما نفهمه منه هو أنه معجب برأيه، وقد اكتفى بالبوست كموقف شخصي له في القضية.

كم امتلأت حياة الصحابة بعذاب عاشوه وذاقوا مرارته وعاصروا آلامه، ولكن الفكرة المحفوظة في أدمغتهم أبت أن تتركهم، عاشت معهم وواستهم ووعدتهم بنشر الدعوة على مقياس أوسع

أما البعض الآخر، يأسرهم اليأس والقنوط، لا يرون إلا أنَّ طريق الحياة سائرٌ إلى الهلاك؛ فالمحيط ممتلئٌ بالحروب والتشريد، والناس تمشي في طريق الأوهام وهي تحمل أجهزتها، فاتحة أفواهها، تنقاد خلف أي ركب خاطئ يسوده قائد خبيث، فيكتفي اليائسون بعد نشر السلبية بين الناس، بالدعاء، فلا يتجاوز الأمر أيديهم المرفوعة دون أدنى محاولة لوضع بصمة في أي ميدان من خلالها!

ومنا من يعيد النظر في هذه الصور، يدقق بها جيدًا، يراها من زاوية أكثر تفاؤلاً ونجاحًا، يشعر بها كما لو كان داخلها، يقول: مع كل ما حصل.. عندي أمل. كلُّ بناية سقطت، عندي أمل أن يكون لي يدٌ في نهوضها مجددًا، وكل مصباحٍ أُطفئ، أرى فيه بريق أمل وإن كان مخفيًا. عندي أمل أن يخرج الخير الذي يسكن كل روح في مجتمعاتنا ثم يجتمع ماحقًا الشر المنتشر. عندي أمل أن تتحول كل كلمة ننشرها كنقدٍ هادمٍ إلى كلمة خير تبني، تغرس العزيمة والشغف، لنبدأ حينها التغيير. عندي أمل أن تُترجم حروفي وآمالي إلى أعمال. عندي أمل وإن كنت بذلك أمشي خارج السرب!

عندي أمل كالذي كان عند صحابة النبي -رضوان الله عليهم-، كانوا يرون خيوط الشمس الخافتة في أشد الليالي حلكة، كانوا يتطلعون إلى ما وعدهم رسول الله.. يعملون ويخططون لأجله، وما كان نجاحهم ووصولهم إلى القمة في الدارين، إلا بحسن ظنهم بخالقهم وآمالهم التي لم تتوقف عن المجيء إلى خواطرهم، كانت فتوحاتهم العظيمة نتيجةً لفكرةٍ غرسها رسول الله في عقولهم، فلم يتوقفوا عن التفكير فيها، أمضوا أيامهم وهم يحاولون إنضاجها وتكبيرها وتوسيع مداركها لتصبح أفضل وأكثر قابلية للتطبيق، عاشوا سنينهم وهم ينتظرون رؤية نتائجها على أرض الواقع حتى لو كان الواقع وقتها جافًا غير مؤهل للعمل عليه.

 

فكم امتلأت حياة الصحابة بعذاب عاشوه وذاقوا مرارته وعاصروا آلامه، ولكن الفكرة المحفوظة في أدمغتهم أبت أن تتركهم، عاشت معهم وواستهم ووعدتهم بنشر الدعوة على مقياس أوسع، وبعزة الإسلام وإخضاعه لكل البلاد، وعدتهم بكل ما كانوا يتوقون إليه، عاهدتهم ألا تتركهم ما داموا يجتهدون لأجلها.. طمأنتهم حتى لا يفقدوا آمالهم، حاولت تثبيتهم، كانوا بفضل الله ثم فضلها يرددون: مع كل ما حصل.. عندي أمل، وعدتهم بإسلام عزيز غير ذليل، وعدتهم بردع الظلم وإحياء العدالة وتحطيم الأصنام والعقول التافهة، وعدتهم بـ(لا إله إلا الله) مجلجلة قوية تهزُّ العالم، وعدتهم بمستقبل أفضل.. وقد كان!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.