شعار قسم مدونات

قصة داعية.. "سناب شات"

blogs سناب شات

في عالم السُّرعةِ والخبر الفوريِّ ازدهرت مواقعُ التَّواصلِ الاجتماعيَّة حتى طغت على كل الوسائل الإعلاميّة الأخرى. لكنَّ إشكالها الأبرزُ يكمنُ في كونها من الأسلحة المزدوجة الشّفرة، فالأخبار فيها تنتشر كما النار في الهشيم دون أن تنضبط بأيِّ معايير تضمنُ المصداقية، ووقودها في ذلك الفراغ والعاطلون، أضف إلى مساوئها استفحالَ الفساد الأخلاقيِّ إلى جانب ضياع الوقت في غيرِ ما يفيد.

من هنا كان لزاماً أن يشرع بعضهم في توظيف تلك البرامج في شتّى جُدَدِ الخير، فأُنشِئت صفحاتٌ دينيةٌ وأخرى عامةٌ هادفة. كما ظهر دعاة ينشطون على هكذا برامج، محاولينَ مجابهةَ طغيان المنتوجِ المنحرف. وهؤلاء أيضاً لا تنعدم سلبيَّاتهم التي غالباً ما يكون مرجعها إلى غياب الحكمة، كما في قصة صاحبنا داعيةُ (سناب شات).

فقد انشغلت الماكيناتُ الدعائيةُ في مدينتنا البريطانيّة بحشد الناس بالمناشير الورقيَّة وعبر برامج التواصل الاجتماعية؛ لحضور سلسلة من المواعظ والدروس لداعيةٍ "عصريٍّ" قادم من بلاد الحرمين، فتسامعت الناسُ وتحاشدت؛ حباً لأرض الإسلام الأولى، وطمعاً في أن تشتمَّ من القادم ريحَ نبيِّها الكريم.

بدأ الداعيةُ مشواره الدَّعويُّ بخطبةٍ في مسجدنا؛ كونه أحدَ أكبرِ مساجد المدينة. ولّما ظهر على الناس وصعد المنبر وسلم، طفقنا نرد عليه السلام وأعناقنا مشرئبة إليه. ولمّا جلس على المنبر -وبينما المؤذن يؤذن- أذهله عدد الحاضرين فأخرج هاتفه وطفقَ يصورُهم، من اليمين إلى اليسار ومن اليسار إلى اليمين، أُخبرتُ بعدها أنه نشر المقطع المصور على برنامج (سناب شات) المعروف.

على أهل العلم أن يبذلوا جهداً أكبر في قولبةِ أساليبهم التقليدية في قالب الإعلام الجديد الأقربِ إلى قلبِ الشّباب، حتى لا يتخطفهم المتسلقون من المشاهير على قطار الدعوة

ولما فرغ المؤذن من أذانه، بدأ صاحبنا خطبته مخللاً كل جملةٍ أو جملتين بتعديلِ غترته، ولا يبرح يلوِّحُ بيديه أيمن وأشأم وأعلى وأسفل.

وإلى جانب سوء الأسلوب، يكمن الإشكال في اعتقاد بعض الدُّعاة أن المسلمين في الغرب لا يعقلون من دينهم حتى أبجدياته، فكلَّما قَدِم عليهم داعيةٌ باشرهم الحديثَ عن مبادئ التَّوحيدِ وأركانِ الإسلام والإيمان. وفي اعتقادي فالّلوم في ذلك يقع حصراً على القائمين على المراكز الإسلامية والجوامع؛ إذ كيف يستجلبون لرعاياهم من لا يعقلون طبيعةَ البلادِ ولا شؤون أهلها؟

بعد أن فرغ صاحبنا من خطبته تجمع حوله الكثيرون والشباب خاصة؛ بغيةَ مصافحته والتقاط الصور إلى جانبه، وهذا مؤشرٌ على أن الشبابَ ينجذبون إلى هكذا شخصياتٍ إعلاميةٍ شهيرة، وإن كانت سطحية الطرح ضئيلة العلم الشرعيّ، وهو ما يحتِّم على أهل العلم أن يبذلوا جهداً أكبر في قولبةِ أساليبهم التقليدية في قالب الإعلام الجديد الأقربِ إلى قلبِ الشّباب، حتى لا يتخطفهم المتسلقون من المشاهير على قطار الدعوة.

ليس غرضي هنا سرد قصةٍ مجردة، ولا توجيهَ إساءةٍ متعمدة، فأنا أدرك قوة الإعلام الجديد إذا أُحكمَ استخدامه، ووجِّهَ لصالحِ الدَّعوة، فهو ما ينجذب إليه الشباب دوناً عن سائرِ الوسائل التقليدية. إنما الغرض تسجيل عدم الرضى عن أن يُقدَّمَ مشاهيرُ إعلاميون للناس على أنهم دعاة، أو أن يستثمر هؤلاء الإعلاميون منابر الدعوة لصالح شهرتهم، أو أن يتم صناعة القدوات للجيل الشّابِّ بهذه الطريقة الخاوية من الحكمة.

ولا أظنه يختلفُ اثنان على أنه من المحمود أن يَلجَ شيوخُنا ودعاتُنا ساحةَ الإعلام الجديد؛ ليصلوا إلى الجمهور العريض من الشباب ويؤثروا فيهم بأساليبهم، غير أنه ليس محموداً أن يقتصر همُّ أحدهم على جمعِ القدرِ الأكبرِ من الإعجابات والمتابعين والمتابعات، فيصيرُ بذلك بدلاً من صاحبِ رسالةٍ وهدفٍ إلى آخرَ يقدِّمُ ما يطلبه المتابعون.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.