شعار قسم مدونات

أن تصنع فيلما خير من بناء مسجد ضرار

blogs السينما
حظيت مؤخراً بجلسة سينمائية بحتة مع مخرجي هوليوود، جون لوزينهوب، وجاك بندر، كانا يتحدثان عن صناعة السينما والأفلام، استوقفتني جملة قالها لوزينهوب "إن صناعة الأفلام هي عصب المعرفة حديثاً وقديماً والاحتلال الحديث، يرتكز في كيفية التأثير والسيطرة على العقول، وذلك لأن دبابة واحدة قد تقتل خمسين شخصاً لكن فيلماً واحداً قادر على سلب أمة كاملة هويتها". أردفت قائلا إن المال هو عصب صناعة الأفلام، ومتى ما وجدت أمة تهتم بهذه الصناعة فالحاضر والمستقبل لها.
منذ أن كنا صغارا كانت تستهوينا مشاهد الدراما ونتأثر بها، وتختلف درجة التأثير من شخص إلى آخر، حيث كان التأثير يترجم إلى دموع على خدودنا، أو ضحكة واسعة أو لربما أحدهم يفقد حينها شهيته في الطعام وسببه أن الشخصية التي كان يحبها قد ماتت، شخصيا كنت اتأثر بها لدرجة أنني كنت اصنع مشاهد تمثيلية مع بقية اشقائي الصغار، داخل المنزل.

نحن متفقون أن لصناعة الصورة والسينما دور كبير في تشكيل وصياغة العقول، وصياغة الوعي الجمعي، وإعادة تشكيل رأي الفرد كذلك وتسييرها، لكن اتفاقنا هذا ينتهي حينما ينوي مخرج عربي على تقديم فكرة ما لرجل أعمال، حيث يقابل بالرفض وذلك لأن فكرة بناء مسجد ضرار، برأيه أفضل من صناعة فيلم.

فجوة غياب الوعي بقضايانا وأولوياتها، ستجعل من صناعة الأفلام تساهم في تحديد الأولويات ومعالجة مشكلاتنا كعرب بطريقة معاصرة ومنهج جديد في التأثير

هناك متبرعون كثر لبناء المساجد، لكن قليلون من يدركون أن إنتاج فيلم ينتصر للجمال والأخلاق والقيم الإنسانية النبيلة، لا يستحق منهم ذلك الاهتمام، ولو كان له علاقة بتنمية الإنسان وبنائه وصقل مواطن الجمال والخيرية فيه فردا أو مجتمعا. لا أريد أن أخوض في موضوع صعوبة إيجاد تمويل آلاف السيناريوهات العربية التي تقابل بالرفض بقدر ما أريد أن أقول إن هؤلاء رجال الأعمال هم أول من يقطع تذكرة دخول قاعة سينما لفيلم جديد في نيويورك أو لندن.

إن من يؤمن بأن فكرة بناء مسجد ضرار أفضل من أن يمول فيلما عربيا يخدم قضية أو يعزز فكرة سامية، أو يتحدث عن شخصية تستدعيها من ذاكرة تاريخنا الحضاري، مثال ذلك كمن يبني حائطاً من الحجارة ليطمر المعرفة والوعي. وبهذا نطمس هوية تاريخنا وشخصياتنا العربية والإسلامية، وتوهجنا الإبداعي، وخيالنا الأدبي إزاء الحياة والوجود من حولنا "فوق ما هي مطموسة" فالكتب المدرسية لوحدها ليست قادره على إيصال مشهد لبطل إسلامي اخترق جيشا كاملا بسيفه فقط.

إن الله سبحانه وتعالى حينما قال في أول سورة نزلت "اقرأ" لم يقصد بها فقط القراءة والمطالعة، بل إن هذه الكلمة لو نظرنا إليها من منظور مختلف لرأينا أن القراءة ليست محصورة بكتب ولا بجرائد، بل بفيلم تشاهده وتقرأ الحياة والوجود من خلال تفاصيله، ويحول الكلمات المقروءة إلى صور مشاهدة مقروءة كذلك.

إلى أصحاب المال ورجال الأعمال أقول لهم نحن متخمون اليوم من بناء المساجد التي أصبح بعضها ضراراً لتقاربها في مناطقنا ومدننا العربية، إن الأرض كلها جعلت لك مسجدا وطهورا فصلِ أين شئت. اصنع فيلما يتحدث عمن بني أول مسجد على هذه الأرض.

في كل مرة أذهب فيها إلى قاعة السينما أجدد فيها حبي لصناعتها وذلك من خلال رؤيتي لأعين مشدودة نحو ما يشاهدونه وأيادي تمتد لتأكل البوشار ويزداد شراهة الأكل كلما ازدادت فكرة الفيلم تعقيداً، وحينها يكون الناس على حافة مقاعدهم. إننا نريد مثل هذا الجمهور وهم يشاهدون أفلامهم وبطولاتهم العربية.

لا أبالغ إن قلت إن تأثير السينما والأفلام قد تلم الشعث العربي، تنتشر العديد من صور الحروب ومقاطع الفيديو ونتعاطف معها وتؤثر فينا سلبا أو إيجابا، فما بالكم بأفلام تُصنع لعربي يحضن أخاه العربي. إن فجوة غياب الوعي بقضايانا وأولوياتها، ستجعل من صناعة الأفلام تساهم في تحديد الأولويات ومعالجة مشكلاتنا كعرب بطريقة معاصرة ومنهج جديد في التأثير، فمن شأن صناعة أفلام أن تحيي بين العرب قيم الإخاء والتسامح، فكلمة واحدة من فيلم سينمائي قد توقف النزيف المعتل في وجداننا العربي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.