شعار قسم مدونات

لماذا يسعى إقليم كتالونيا للانفصال عن إسبانيا؟

blogs إقليم كتالونيا

أعلن رئيس حكومة كتالونيا كارلوس بيجمونت أن استفتاءًا عامًا حول استقلال هذا الإقليم عن إسبانيا سيجري في 1 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، جدير بالذكر أن المحكمة الدستورية الإسبانية اعتبرت في 14 فبراير الماضي أن القرارين اللذين أصدرهما برلمان كتالونيا حول إجراء استفتاء بشأن الاستقلال غير شرعيين، وفي4 نيسان أبريل الماضي قبلت المحكمة الدستورية الإسبانية شكوى الحكومة، ولم يستبعد نائب رئيس الحكومة الكتالونية أوريول جونكراس أن يعلن الإقليم استقلاله من جانب واحد في ضربة قوية قد يتم توجيهها إلى الأمة الإسبانية.

إذًا ما هو إقليم كتالونيا ولماذا يطالب بالاستقلال؟
يقع إقليم كتالونيا في الشمال الشرقي لإسبانيا، تفوق مساحته ٣٢٠٠٠ كيلو متر مربع، وهو سادس أكبر منطقة من حيث المساحة في إسبانيا التي تعج بسبعة عشر إقليمًا مختلفًا يتمتعون جميعًا بالحكم الذاتي، ينقسم الإقليم إلى أربع مدن وهي: برشلونة "عاصمة الإقليم" تراجونا، لاردا، جرانادا، أكبر المدن هي برشلونة، التي يزيد عدد سكانها عن الخمسة ملايين نسمة، يتحدث سكان المقاطعة اللغتين الإسبانية والكتالانية.

حصل إقليم كتالونيا على الحكم الذاتي عام ١٩٣١، وقد تميزت هذه الفترة بالاضطرابات السياسية والأحداث الساخنة ليس علي مستوى إسبانيا فحسب، ولكن على الصعيد الأوروبي كله في الفترة التي سبقت قيام الحرب العالمية الثانية عندما قام الجنرال الطاغية فرانثيسكو فرانكو بانقلابه العسكري علي السلطة الحاكمة آنذاك عام ١٩٣٦ حين بدأت الحرب الأهلية الإسبانية، والتي استمرت ثلاث سنوات، وحصدت أرواح نصف مليون من المواطنين الإسبان، وانتهت بانتصار فرانكو علي كل معارضيه، وانفراده بحكم إسبانيا حكمًا ديكتاتوريًا بمساعدة ودعم من هتلر وموسوليني.

 undefined

قام بعدها فرانكو بإلغاء الحكم الذاتي في كتالونيا منذ لحظة وصوله إلى الحكم وحتي وفاته عام ١٩٧٥، قمع فرانكو كل أنواع الأنشطة العامة المرتبطة بالقومية الكتالانية، بما في ذلك نشر الكتب عن هذه المواضيع أو مناقشتها في جلسات مفتوحة، كجزء من هذا القمع، تم حظر استخدام اللغة الكتالانية في المؤسسات العامة الحكومية، تم منع العلم الخاص بكتالونيا، تم قتل رئيس نادي برشلونة جوسيب سينول لقيامه بأنشطة سياسية معادية للفاشية، وتم تعيين إنريكي بينيرو الموالي لفرانكو بدلًا منه، تم إلغاء النشيد الوطني الكتالاني، تم التعامل مع فريق برشلونة لكرة القدم بمنتهي التحيز، وتعرض ريال مدريد "الابن المدلل" لأفضل معاملة مكنته من السيطرة علي أول خمسة بطولات أوروبية، في الوقت الذي كان يعاني برشلونة منافسه المباشر في إسبانيا من اختطاف لاعبه ألفريدو ديستفانو من بين أنياب الفريق بعدما وقع علي عقود انتقاله لبرشلونة، قبل أن تتدخل السلطات الديكتاتورية الإسبانية لتحويل مساره لصالح الريال.

أعيد العمل بقانون الحكم الذاتي في كتالونيا عام ١٩٧٩، وبعد المحاولة الفاشلة للانقلاب العسكري في فبراير عام 1981، أقرت الحكومة الإسبانية، وبموافقة الملك خوان كارلوس على وجود ١٧ إقليمًا.

يعود العداء بين كتالونيا وإسبانيا لفترة طويلة، ويعتبر المواطنين الكتالان أنفسهم غير إسبان، والكثير منهم يرفضون الحديث باللغة الإسبانية، ولا يتحدثون إلا الكتالانية فقط، وعندما تتجول في شوارع برشلونة او تراجونا أو بادالونا كثيرًا ما ترى أمامك عبارة مكتوبة على علم معلق على أسوار المنازل والبنايات الكتالانية وهي "كتالونيا ليست إسبانيّة"، أهالي كتالونيا يروا أنهم أرض محتلة من طرف إسبانيا بعد صلح البرانس التي وقعته إسبانيا مع فرنسا في أعقاب حربهم التي استمرت منذ عام ١٦٣٥ وحتى عام ١٦٥٩.

استمر الكتالان في نضالهم ضد الجنرال فرانكو منذ عام ١٩٣٦، وحتى عام 1975، حتى استردت المقاطعة حكمها الذاتي بعد وفاة فرانكو، منذ ذلك الحين أضحت كتالونيا هي المنطقة الاقتصادية الرائدة في إسبانيا، مع ما يقرب من ٢٠٪ من الناتج القومي الإجمالي لهذه المنطقة، التي تشكل ٦٪ فقط من مساحة اليابسة في إسبانيا و١٥٪ من عدد السكان. 

المملكة الإسبانية أصبحت الآن مهددة بفقدان ١٥٪‏ من مساحة أراضيها، قد تكون قابلة للزيادة في حال وقفت الحكومة المركزية مكتوفة الأيدي أمام ما يحدث من تحركات انفصالية

اشتداد الأزمة الاقتصادية التي عصفت ببعض الدول، وكانت إسبانيا من ضمن ضحاياها، أدت إلى تعميق الأزمة بين الحكومة الإسبانية والكتالان، الذين يروا أنفسهم يقومون بتحويل مبالغ مالية إلى الحكومة المركزية الإسبانية تفوق الـ ٢٠ مليار يورو سنويًا تستقطع من دافعي الضرائب في كتالونيا، ولا تجد مردود يذكر أو تحسن ملحوظ علي معيشتهم وحياتهم، لذلك هم يشعرون بالإحباط بسبب تردي كل الخدمات التعليمية والصحية في كتالونيا، ويرى الكتالان أن اقتصاد مقاطعتهم تضرر كثيرًا بسبب سياسات الحكومة الإسبانية، حيث أن هذه الحكومة فرضت ضريبة علي كتالونيا تقدر ب ١٠٪ من الناتج المحلي الإجمالي لتصل إلى ٢٠ مليار يورو، في المقابل ليس هناك أي استثمارات أو خدمات تذكر، توازي هذه الضرائب الباهظة، كما أن هناك عجز في الاستثمار في البنى التحتية، لأن الحكومة الإسبانية لا تريد أن تكون برشلونة كمدينة، أفضل من مدريد.

يرى بعض المراقبين أن انفصال كتالونيا لن يمر مرور الكرام بسهولة من بين أيدي حكومة إسبانيا ولا من الاتحاد الأوروبي ذاته، الذي قد يدعم إسبانيا ويهدد كتالونيا بعدم ضمها في حالة الاستقلال إلى الاتحاد الأوروبي، من أجل ذلك من المتوقع أن تستخدم الحكومة الإسبانية سلاح المحكمة الدستورية الذي سبق وأن استخدمته من قبل لإجهاض أي محاولة للاستفتاء أو التفكير به من طرف الكتالان، ذلك لأنهم يعلموا علم اليقين أن هذا الاستفتاء سيجر عليهم عدة استفتاءات أخرى، في أقاليم مختلفة، منها علي سبيل المثال إقليم الباسك الحدودي الذي يطالب بالاستقلال عن إسبانيا مع احتفاظه بجزء من الأراضي الفرنسية، بعد خوضه صراع دموي ضد الحكومة المركزية الإسبانية عن طريق ما يسمى بحركة إيتا الباسكية الانفصالية، اغتالت بسببه الحركة عدد من الوزراء الإسبان وقامت بعدة تفجيرات ضد عناصر من الشرطة، ولم تعلن نبذها للعنف وترك السلاح، إلا هذه السنة، في أبريل نيسان عام ٢٠١٧. هذا بالإضافة إلى جزر الكناري، التي تطالب هي الأخرى بالانفصال عن إسبانيا.

المملكة الإسبانية أصبحت الآن مهددة بفقدان ١٥٪‏ من مساحة أراضيها، قد تكون قابلة للزيادة في حال وقفت الحكومة المركزية مكتوفة الأيدي أمام ما يحدث من تحركات انفصالية، وليست إسبانيا فحسب، قد يلهم الصراع في إسبانيا العديد من الأقاليم المختلفة في عدة دول لتحذوا حذوهم، مثلما كان الحال حين أجرت أسكتلندا استفتاء الاستقلال عن المملكة المتحدة، وظهور وقتها من طالبوا بانفصال باڤاريا عن ألمانيا، من أجل كل ذلك تعارض أوروبا استقلال كتالونيا، حتي وإن لم تظهر ذلك للعلن، لأنهم يعلموا تمامًا أن عدوى الانفصال حين تسري في جسد أوروبا المنهك الآن بفعل الأزمات الاقتصادية وتدفق اللاجئين لن ينتهي سريعا، ولنا ما حدث في الدول الشرق أوروبية وتفكيك الاتحاد السوفيتي بعد تطبيق رئيسه آنذاك ميخائيل جورباتشوف لسياسات الإصلاح الاقتصادي خير مثال، وما أعقبه بتفكيك يوجسلافيا وتشيكوسلوفاكيا إلى عدة دول. سننتظر ما ستسفر عنه الأيام التالية من أحداث، متوقع أن تكون ساخنة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.