شعار قسم مدونات

خيانة النخبة!

Blogs-Egypt
المجتمع الذي يجد نفسه محاطاً بنخبة تفتقد للمسئولية الوطنية والأخلاقية، يواجه مصاعب ومتاعب جمّة، خاصة إذا كانت تلك النخبة تتصدر المشهد السياسي والإعلامي، كونها تتحول إلى مصدر رئيسي لتلويث البيئة الفكرية، وتفخيخ المصداقية، ونسف قيم العدالة، وتمزيق المهنية إلى أشلاء، وصناعة الإشاعة والكذب والتدليس كمصادر معتمدة، واعتماد التخوين والاتهامات التي لا تستند إلى دليل كأدوات قمع حاضرة وفاعلة.

         

لم تعد وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات المنافسة المرئية والمقروءة والمسموعة باعتبارها ميداناً خصباً للتبادل المعرفي والثقافي وتعزيز روح الترابط بين المجتمعات وتمكين الشعوب في صناعة الوعي والبناء والسلام، بل صارت ساحة حرب، ومعركة مستعرة بين من يسعى لاختطاف الحقيقة وتطويعها لمشروعه المناهض للحرية، وبين من يكافح من أجل تعزيز قيم الكرامة وترسيخ مبدأ الحقيقة التي لا يشوبها تشويه أو انتقاص.

         

إننا في زمن باتت فيه الخيانة للقيم والمبادئ الإنسانية الأساسية أمر طبيعي لا يدعو للخجل والعار، بل ربما وصلت تلك الخيانة إلى مرحلة متقدمة من التباهي والتفاخر بصناعة التزييف وتدليس الحقيقة وطعنها بخنجر النخبة المزيفة!

وأمام هذه البيئة المشحونة بالتزييف، هل يدافع السياسي والمثقف عن أي قضية كي يخدمها ويعرِّف الناس بحقيقتها، أم أنه يستخدمها لتحقيق مآربه الشخصية وتحسين شروط بقاءه في صدارة الشهرة وتعزيز بورصة شعبيته! هناك تناقض صارخ بين من يسعى للمساعدة والانتصار لمظالم الناس وآلامهم، وبين من يجعلها كرتاً رابحا يكسب بها في مضمار أنانيته ورغباته الشخصية! لذا يخوض المدلِّسون معركة التزييف التي تستهدف الحقيقة، يطعنون القيمة لحساب المصلحة، ويفتكون بالمبدأ فداء للخديعة، وينسفون الفضيلة من أجل تعزيز تواجد الرذيلة!

                   

تبدأ خيانة المثقف والسياسي والصحفي حين ينخرط في بيع الوهم بثمن، كي يسهل تضليل الجمهور، وتسويق الفكرة التي يُمْكِن من خلالها ابتلاع الأخلاق والتطلعات والآمال المشروعة، وتبرير الظلم، وتحطيم أحلام الناس في حياة كريمة وعادلة، وتلغيم الرأي العام بخطاب الكراهية والتخوين والتصنيف. والأخطر في مضمار الخيانة أن يتم تسميم القطاع الحقوقي، ولا غرابة في أن تجد حقوقيين مهتمين بالتصدي للانتهاكات التي يتعرض لها الإنسان، ينظّرون عن المفاهيم الإنسانية والحقوقية وتجد مواقعهم الشخصية في وسائط التواصل الاجتماعي ولقاءاتهم الإعلامية والصحفية تضجّ بالمصطلحات الأخلاقية البرّاقة والتحريض على التحرر من دائرة الصمت والدفاع بشكل مستميت عن الضحايا ووصف الجاني بأشد العبارات استنكارا وتنديدا.

            

لكنك تكتشف على نحو مثير أن بوصلة تركيزهم ودفاعهم يعتمد على هوية الجاني والضحية وليس باعتبارها قضية إنسانية بحتة بحاجة إلى مساندة صادقة، وحين يتطلب الأمر التعليق أو التنديد بانتهاكات جسيمة أكثر وحشيه يتوارون وفـي انحدار سحيق وبطريقة غريبة ومريبة، لأن الضحية لا تنتمي لهوية سياسية أو طائفية أو عرقية محددة غير تلك التي تدور في فلك انتماءهم، ولا يكتفون بالصمت بل يشرعون في مرحلة أكثر خطورة ووحشية وهو تبرير الجريمة وتشويه الحقائق في محاولة مفضوحة لحجب الحقيقة عن الرأي العام، ومنع هذه القضية من الوصول إلى مرحلة الصدارة كي تأخذ حقها من الاهتمام والمساندة.

             

إننا في زمن باتت فيه الخيانة للقيم والمبادئ الإنسانية الأساسية أمر طبيعي لا يدعو للخجل والعار، بل ربما وصلت تلك الخيانة إلى مرحلة متقدمة من التباهي والتفاخر بصناعة التزييف وتدليس الحقيقة وطعنها بخنجر النخبة المزيفة!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.