شعار قسم مدونات

الحب كدليل على وجود الله

blogs الحب و الانجذاب

إن كنت تحب أن تضيف إلى معارفك وسيلة من وسائل التيقن من وجود المولى عز وجل فانظر إلى إثنين من المحبين. قد يكون التفكير في هذا الأمر من هذه الزاوية غير مألوفًا أو قد يكون هناك مبالغة في القول بأن طريق من طرق معرفة وجود الله يمر بالمحبين، إلا أنه فعلًا كذلك.

تكون البداية دائمًا من نظرات المحبين، فعندما تلتقي نظرة "هذا" مع نظرة "هذه" فإن هذا التفاعل والانجذاب الذي يملأ أعينهما وتلك الابتسامات التي ترتسم على وجهيهما لا يمكن أن تُفسر ماديًا على أنها بعض العمليات العصبية والكيميائية التي تتم داخل "المخ" فينتج عنها هذه المشاعر والأحاسيس التي تؤول في النهاية إلى هذه الابتسامات، فهذا الإشراق الوجهي الذي يتجلى في الأعين بعد اللقاء لا يمكن أن يُفسر إلا من خلال كائن آخر يعيش بداخلنا نتعارف عليه باسم "الروح"؛ ذلك المَخلوق المبثوث في ثنايا أجسادنا ولا نراه، ذلك المخلوق غير المادي الذي يتمثل كجزء من روح عليا تمدنا بهبة الحياة.

 

الحب نور من أنوار الله يتجلى أمامنا دائمًا ليخبرنا بأنه هنا وأنه قبس إلهي يدعونا للتفكر في الخالق، فلا تذهب بعيدًا بل اقترب من روحك التي ستقربك من "الحب" الذي ستعرف من خلاله معنى "الله"

هذه الروح المسؤولة عن هذا الانجذاب هي دليل على وجود "الله"؛ فهي لم تنشأ ولم تتطور مثل النبتة التي تنمو صغيرة فتكبُر لتأخُذ هيئتها وشكلها دون أن يستطيع أحد الادعاء أن عوامل النمو والتطور قد طرأت عليها؛ بل بزغت في أجسادنا فجأة لتقول لنا بأن هذا الحُب الذي يربط بينكم معشر البشر يَنبُع من هنا، ينبع مني أنا، أنا الذي أبرهن على وجود خالق لكم جميعًا أيها الضعفاء، أنا الذي أتحكم فيكم بهذا الشكل فتهوون في قاع لا نهاية له أو تحيوا كالجبال الراسيات، أنا هنا كدليل على وجود "الله" الذي خلقني كحياة ينبثق عنها هذا "الحب" الذي ترتبطون به لتعيشوا سعادة تشعرون بها وتستمتعون.

لماذا هذا الرجل ولماذا هذه المرأة؟ لماذا لا نجد هذا الإحساس إلا مع هذا الرجل أو هذه المرأة رغم أن آلاف غيرهم يحيطون حياتنا ليل نهار؟ لا يستطيع أن يُفسر الأمر كل المحاولات التي تسحبه إلى جانب مادي يرده بشكل أساسي إلى الشهوة الجسدية أو تحاول أن تجعله في إطار العلوم التجريبية التي تتقدم فيها الأسباب التي نستطيع رصدها بحواسنا، كما لا يستطيع أيضًا العقل وهو الكائن غير المادي الذي يشترك مع الروح في وجوده وعدم ظهوره أن يفسر لنا الأمر.

 

فهي هبة لم تكن في يوم من الأيام نبت المادة بل صدرت وتصدر عن مَن خَلق المادة، إنها هبة تتجاوز المادة وضِعت في كيانك لتشعر بنتاج فرحها وسعادتها متمثلة في هذه الأحاسيس والمشاعر الجميلة التي تغمر جسدك وكيانك حين ترى محبوبك أو تفكر فيه وهو بعيد وإن كانت تفصل بينكم عشرات الآلاف من الأميال، إنها نور من أنوار الله يتجلى أمامنا دائمًا ليخبرنا بأنه هنا وأنه قبس إلهي يدعونا للتفكر في الخالق ومحاولة معرفته قدر طاقاتنا، فلا تذهب بعيدًا بل اقترب من روحك التي ستقربك من "الحب" الذي ستعرف من خلاله معنى "الله" الذي خلق جسمك وبث فيه هذه الحياة الأبدية وهذه المشاعر السامية التي تعلو عن كل تَدني وانحطاط.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.