شعار قسم مدونات

كوني بردا وسلاما

Blogs-war

أتت الحرب بحقائبها لتسكن بيننا كضيف ثقيل، لا أحد يطيقه جاءت لنا بعالم آخر، حيث تعم الفوضى في كل مكان، أصوات الطائرات المقاتلة، والدبابات الحربية والصواريخ وكذا البراميل المتفجرة، ناهيك عن سمفونية الرصاص التي اعتاد على سماعها الكبار والصغار. هنا حيث الدمار، كأن إعصار كاترينا قد مر من هنا. ولم يتبقى سوى رائحة الموت، المختلطة بروائح أخرى كيماوية سامة. نسفت الحرب أحلام الجميع ولم ترحم أحداً.

   

هدمت المساجد والكنائس، وخربت المدارس والإدارات، ضمرت المستشفيات على رؤوس الأطباء والمرضى. جاءت الحرب لتعتدي وتقتل كل غصن مزهر، جاءت لتنهب وتهضم حقوق الآخرين، خلفت وراءها القتلى والشهداء. الأرامل والثكالى واليتامى، وآلاف الآلاف من المعطوبين المتشردين، وأيضاً لن أنسى الجياع والعراة الحفاة والمرضى. فلم يجد الناس إلى النجاة سبيلا.

        

فقدان الوطن إجباراً أصعب بكثير من مغادرته طواعية، لكن كل هذا في سبيل الحرية. كثيرون من قالوا إن الشعب يدفع ضريبة ثورته ضد حاكم الوطن، لكن الشعب لم يرد شيء سوى عيشة كريمة تضمن حقوقه وحقوق أبناءه أجمعين

سيهاجر من يهاجر ويصير لاجئ وسيبقى من سيبقى على أرض الوطن ليموت في صمت. وسينجو القليل ليحظى بحياة أخرى، فالحرب لا تستطيع أن تقف في طريق الحياة ستمضي رغما عن أنفها. ستربي الأم الأرملة يتاماها من دون زوج، سيهاجر الشاب الطموح إلى حيث لا يدري لكي يحقق أحلامه الذابلة، والتي تلاشت يوماً بعد يوم ولم يتبقى منها شيء. ستأخذ الطفلة دميتها المعطوبة لكي تصلحها، وتضمها برفق إلى صدرها. وذلك الفتى الذي بترت قدمه جراء غارة جوية، يتأقلم مع عكازته الجديدة. وتلك الفتاة في عنفوان شبابها تنزف ما تبقى لها من ذكريات مع دمعها، إثر فراق أسرتها فلم يتبقى لها سوى صورة جامدة توثق سعادتهم في الأيام الماضية.

     

وهنا وسط الركام الرمادي الباهت، والذي لا يسر الناظرين أقبلت إحدى المعلمات وبكل شغف وإصرار على تدريس عدد قليل من التلاميذ، لتعلمهم ما تيسر من علم واقفة كجبل شامخ. تعطي ما عندها بما أوتيت من قوة، فبالنسبة لها لا شيء يقف في طريق العلم والعطاء حتى وإن طاردها شبح الموت، وحاصرتها الحرب من كل صوب.

    

ستستمر الحياة وسط نفق الموت، وسينبثق النور من وسط الظلام. سيعيش الأحياء بدل الأموات، لكن هناك من سيعيش بجرح عميق، بنفسية محطمة كئيبة. ففقدان الأحباب والأصحاب والأبناء وكذا العمل والوطن ليس بالأمر الهين على أي أحد. وكأنه كابوس ولم ينتهي، أو بداية فلم مرعب لا نهاية له. الأمس كان الوطن مزدهراً بهياً واليوم كومة من الرماد، امتزج بدماء شعبه.

      

فقدان الوطن إجباراً أصعب بكثير من مغادرته طواعية، لكن كل هذا في سبيل الحرية. كثيرون من قالوا إن الشعب يدفع ضريبة ثورته ضد حاكم الوطن، لكن الشعب لم يرد شيء سوى عيشة كريمة تضمن حقوقه وحقوق أبناءه أجمعين. فالحرب هي نتاج سياسة حاكم فاشل، لم يستطع أن يحقق لشعبه ومواطنيه أبسط حقوق العيش الكريم، ليشن عليهم الحرب مستعينا بقوى خارجية. وأيادي خفية اعتادت على مص الدماء.

      

يبدأ الحاكم باستعراض عضلاته، واستعمال ديكتاتوريته ليسكت صوت الشعب ويقمعهم. في عوض أن يصون كرامة الفرد والجماعات ويحمي الوطن ويأمنه. فرغم أنني لم أعش الحرب قط. فكوني انتمي إلى العرب يجمعنا نفس الجسد يسري في عروقنا نفس الدم، مع أن هذا الجسد مشلول لا يقوى على الحراك ولا يفعل أية رد فعل، لكنه سيستجيب يوماً هو والقدر. وسينجلي الليل وسيكسر القيد حتماً. فكوني يا حرب برداً وسلاماً على الأوطان والأهالي وعلى المستضعفين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.