شعار قسم مدونات

من اختلاف إلى ائتلاف

blogs - شلة أصدقاء 2
من محطة أكتب فيها عن الاختلاف، إلى محطة أكتب فيها عن الائتلاف. أردت أن أجعلها سلسلة مقالات، تفضي كل واحدة منها إلى التي تليها في تسلسل يعبر عن المعنى والرسالة المقصودة. كانت أول مقالتين في موضوع الاختلاف، وليدة لحظات عشتها، كانت قناعاتي وأفكاري خلالها، محط اختبار ومراجعة. قضيت بعضة شهور في بلد غير بلدي، يختلف عما اعتدت عليه خلال ست سنوات من المكوث داخل أرض الوطن، حيث تجلت لي مضامين سلوكاتي وأسلوب الحياة الذي أعيشه جليا أمامي، أفادني استشعار اختلافي عن الناس الذين مروا أمامي، أو تبادلت معهم طرف الحديث ولو للحيظات، أو مجرد إلقاء تحية عند دخولي لمكان يراني غيري فيه غريبة، أفادني ذلك في تثبيت معاني كثيرة لأسلوب الحياة الذي أعيشه كمسلمة، كعربية وكمغربية.
حين تستشعر نفسك غريبا عن وسط حللت به، تتوالى التساؤلات حول مواطن الاختلاف القائمة، وتتفقد وجود أمور كثيرة بحياتك لم تكن تعي وجودها من أصل. أمور قد تكون من عصب الحياة التي تعيشها أحيانا، وأفترض أن يكون الشخص يقبل مراجعة ما هو عليه حتى يستطيع مساءلة ما يعتبره بديهيا بالنسبة له، أما أن يكون الشخص قد أغلق باب المساءلة على اعتبار صحة ما هو عليه بشكل تام وقطعي، فلن يؤثر وجوده في وسط غريب عنه في تصحيح أمور أو تثبيت أخرى مما قامت عليه أفكاره وسلوكاته ومعتقداته.

التغيير نحو الأفضل هو المطلوب، تغيير يدفع بنا إلى الأمام، نحو تطوير الذات وبناء قويم لها، حتى تكون ذاتا فعالا، فاعلة، منتجة وقادرة على الإتيان بالمعروف الذي يربي خيرا في الناس وفي الأرض.

في استحضار للفكرة التي قال بها جون بول سارتر: "الجحيم هم الآخرون"، في الوقت الذي قادنتي نظرة الغير المختلف عني إلى الاطمئنان لبعض ما يشكل أناي ويمثلني، جعلتني أختلف تماما مع فكرة سارتر التي تصير الشخص في نظر غيره مجرد شيء يهدد وجوده. لكن الأمر وكما عايشته وعاينته، مختلف تماما عن هاته الفكرة. فحتى وإن كانت نظرة الآخر أو رأيه من دواعي تصحيح أمور أعتقد بها أو أسلكها، لا يجب أن يكون ذلك مدعاة لكره الآخر المختلف. بل أرى أننا بفضل الآخر نستطيع أن نكتشف ذواتنا، أن نشكلها وأن نقومها.

إن القابلية للتغيير يجب أن تكون أصلا في البشر، على اعتبار أن هذا التغيير من سنن الكون التي تحكم الحياة وتضمن استمراريتها. والعمل بقول أسلافنا الذين قالوا: "رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب"، لهو تكريس لهاته القابلية التي تجعل من آرائي قابلة للمراجعة والمساءلة، إن تبينت لي صحة آراء أخرى غير التي أقول بها. على أن تكون هاته المراجعة مبنية على أسس متينة وحجج صادقة.

والتغيير نحو الأفضل هو المطلوب، تغيير يدفع بنا إلى الأمام، نحو تطوير الذات وبناء قويم لها، حتى تكون ذاتا فعالا، فاعلة، منتجة وقادرة على الإتيان بالمعروف الذي يربي خيرا في الناس وفي الأرض. وهذا التغيير نحو الأفضل، المبني بالضرورة على أسس صحيحة، لا شك أنه تغيير منسجم مع فطرة الأشياء وأصلها، وهذا الانسجام يخلق بالضرورة انجساما مع الذات، فتعرف ماذا تريد وما مسيرها، وإلى أين منتهاها، بعد معرفة شاملة بذاتها وما تحمله من قناعات، وما لها من إمكانات.

هنا يكون التغيير هادفا، لأجل تصحيح المسار، أو تثبيته إن بدت معالم الصوابية في اختياره، وكل ما يحمل الإنسان على هذه النظرة النقدية لذاته، وهاته المراجعات والتصحيحات، هو تحري النهج الأسلم للقيام بدور إيجابي في محيط الإنسان، من أصغره وهو أسرته وذاته ربما، إلى أكبره وهو البشرية جمعاء. وما يكون ذلك إلى تحريا لطريق تفعيل الاستخلافية في أرض الخالق عز وجل. هاته الاستخلافية التي حتى وإن لم نعي أنفسنا ونحن نمارسها كدور حياتي، فهي مضمون كل عمل يثمر خيرا ونابع من نفس تشهد أن لا إله إلا الله.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.