شعار قسم مدونات

خيبة أمل بحجم قارة أستراليا

blogs - Abdel Fattah Sisi
أمي "الجميلة" فلاحة بسيطة، كل مؤهلاتها ربة بيت كما هو حال ملايين المصريات، تربت على الفضيلة والإصرار على النجاح، لم تتلق أي مستوى من التعليم، تخرجت من جامعة الحياة، توفى زوجها "أبي رحمة الله" وترك في رقبتها عشرة من الأفواه، يحتاجون إلى الطعام صباح مساء. مصادر دخلنا اليومي، على حسب ما يرزق الله من أبوابه التي لا تغلق أمام المجتهدين. لم تكن تمتلك قناة سويس قديمة ولا جديدة. لم يترك لها أبي بئر بترول أو حقل غاز أو حتى طلمبة مياه نشرب منها. الأرز الخليجي لم يدخل بيتنا لأنها علمتنا ألا ناكل إلا الحلال. صندوق النقد لم تعرف له طريق ولا حتى بنك التسليف، على الرغم من تكالب كثير من أهل القرية على الاستدانة منه بحجة بناء بيت أو رزاعة أرض وفي نهاية المطاف تراكمت ديونهم فباعوا الأرض والبيت.
لم ترهن البيت بسندات "دولارية" للجيران يتحكمون فينا، بل أصرت على ترميمه بالحب والألفة، بالرغم من كل ذلك. لم تجلس بجوار الجدار أو النسوة من أهل القرية تنعى حظها العاثر أن زوجها قد اختطفته الأقدار مبكراً بعد أن ظل يبحث عن الولد كلما أنجبت له بنتا، حتى تركها وفي رقبتها هذه الأفواه الصغيرة.. احتضتنا برفق. لم تلعن الظروف ولا الأقدار ولم تستدع الجيران لحل مشاكلنا، فكانت هي الرئيس والحكومة في الإدارة والتدبير. لم تشعرنا يوما بالفقر، فقد كانت تغنينيا بكلماتها ومثابرتها.

البلاد التي عرفت قادة عظماء، نجحوا في نقلها، من مربع الفقر إلى دائرة الغنى، لم نستمع منهم أن الزيادة السكانية هي المشكلة، بالعكس راحوا يستنهضون همم شعوبهم، ويقدمون حلولاً غير تقليدية

خرجت للعمل.. بَنت لنا بيتاً، أصرت على أن نكون أفرادا صالحين في قريتنا الصغيرة، سعت لتعليم أبنائها إن استطاعت إلى ذلك سبيلا، حتى وإن كلفها مشاق العمل ليل نهار، كبرت البنات وتزوج، كَبَر البنين وتعلموا وتزوجوا، الآن تجلس أميرة الأميرات تاج رؤوسنا.

بعد أن ظن كثير من الجيران أن مصيرنا إلى الشارع نتسول من الإمارات الملابس المستعملة والبطاطين أو من السعودية الغاز والمواد البترولية، علمتنا العّفة من الناس فلا نسألهم يعطونا أو يمنعونا، فتحية لأمي العظيمة التي جاهدت ودَبرت وتدبرت ونجحت، وخيبة أمل كبيرة بحجم قارة أستراليا وجزيرة مدغشقر تلف رقبة النظام الانقلابي بقيادة الجنرال السيسي، الذي تولى حكم وطن يمتلك من المواد المئات، ناهيك عن حصوله على مئات المليارات من الدولارات كمساعدات من الشرق والغرب، وبرغم من كل ذلك، فشل على كل المستويات، وبدلاً من الاعتراف بالفشل، والاعتذرا، وأن قدراته لا تتعدى قيادة دراجة هوائية، يحيط به بودي جاردات وكاميرات تلتقط الصور، خرج مؤخراً يلعن الزيادة السكانية في البلاد، ويحملها كل مشاكل الكرة الأرضية منذ أن خلق الله آدم عليه السلام.

البلاد التي عرفت قادة عظماء، نجحوا في نقلها، من مربع الفقر إلى دائرة الغنى، لم نستمع منهم يوماً أن الزيادة السكانية هي المشكلة، بالعكس راحوا يستنهضون همم شعوبهم، ويقدمون حلولاً غير تقليدية لاستغلال كافة موادرهم الطبيعية. ولكن ولسوء حظ الوطن العاثر أن تعثر في جنرال فاشل، كالتلميذ البليد الذي وقف أمام السبورة يلعنها، حين تلعثم في الإجابة عن سؤال معلمه، وكأنه يؤكد على الحكمة القائلة:
وراء كل أمة فاشلة جنرال عسكري فاشل!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.