شعار قسم مدونات

القتل باسم الرب

blogs- الله
تسمرت لدقائق غير قليلة أمام بياض الصفحة التي حاولت إثارة ذهني لقول أي شيء يكسر حدة الصمت، في الحقيقة كنت في تلك اللحظة غارقة بالبحث عن نقطة زمنية محددة في ذاكرتي، لأول مرة عرفت فيها الله، لكني لم ألمس إلا ضباب الصور الذهنية الأولى، لم أستطع أن استبين ذلك بوضوح لكن الذي أعرفه جيداً أني بدأت بالتعرف عليه مبكراً من خلال إجابات جُهزت سلفاً مثل غيرها وفي ذلك الوقت لم يكن لدي خيار غير قبولها كما هي!

كما تعلمون في ذلك السن المبكرة تكون الدهشة في أوجها، أما الأسئلة المفتوحة التي لا تنتظر أجوبة بقدر ما ترغب في التعبير عن نفسها لا تحصى، قبل أن تتدخل عوامل التنشئة الاجتماعية بمختلف أشكالها وصلاحياتها على تحجيم نطاق التخيل ووضع خط أحمر لا يجوز عليك تخطيه، فسؤال من نوع " إذا كان الله خلق العالم فمن ذا الذي خلق الله " جريمة تستدعي أن تنكس رأسك لأيام خجلاً، في حين أن هذا الطفل أدرك ببساطة مبدأً هاماً يقوم عليه كوننا الكبير ولا ينكره عاقل، ففي العالم الحسي الذي نعيشه ترتبط الأشياء مع بعضها البعض بعلاقة السبب ومن هنا يصبح هذا سؤالا مشروعاً في ذهن طفل. 

 

وفي السنوات اللاحقة تشكلت صور أشد تعقيداً حول العلاقة بين الدين والإنسان، وأطلت أسئلة أخرى برأسها وفي الحقيقة هذه النوعية من التساؤلات لم تنقطع في تاريخ الجنس البشرى منذ خلق آدم حتى يومنا هذا وكل إنسان مهما بلغت ثقافته لديه وجهة نظر عن الله والكون والإنسان والصلة بينهم، وتحديداً شعور الإنسان الخفي تجاه قوة موضوعية خارجه تدبر هذا العالم وتسيره على نحو ما أو ما يعرف بالحس الديني الذي "يكمن في أعماق كل قلب بشري، بل هو يدخل في صميم ماهية الإنسان مثله في ذلك مثل العقل سواء بسواء".

  

يكفي أن تطالع وسائل الإعلام لتشاهد أخبار العنف باسم الدين والصراعات التي ترتكب في أماكن عديدة من العالم يتم الاعتداء فيها على الآخرين بسبب هويتهم الدينية

هذه الخبرة الدينية أو الحس الديني الذي شكل خيطاً مشتركاً يربط بين الإنسان البدائي وإنسان القرن الحادي والعشرين والذي عبر عنه من خلال مظاهر مختلفة – على هيئة أديان ومعتقدات عديدة، هذه الخبرة، "مثلها مثل الخبرة الجمالية متأصلة في أعماق الإنسان أو هي جزء لا يتجزأ من تكوينه لكنها تكون عند بعض الناس دفينة مطمورة وعند بعضهم الآخر ظاهرة على السطح ".

ما أريد قوله إن كانت الخبرة الدينية واحدة و متأصلة في الذات البشرية وخضعت لتفسيرات عديدة تطورت بتطور الإنسان ذاته على مدار تاريخه الطويل، بعضها كان نتاج خيالات أسطورية أو جهد عقلي وبعضها الآخر نتاج الوحي – الأديان السماوية – التي قبلها الناس بمنطق الإيمان والتصديق، وإذا كانت هذه الإجابات ما هي إلى محاولات للفهم وإعادة التوازن لهذا العالم فكما يقول مبدأ أساسي في علم النفس أن تفسير الظاهرة أي تفسير خير من بقائها بلا تفسير.أقول إذا صح ما سبق – وبغض النظر عن معتقدات كل منا – فلماذا تستخدم هذه التفسيرات أو ما يطلق عليه الدين عموماً كأداة للتفريق وإرهاب البشرية وضربها في مقتل، والشواهد على ذلك كثيرة لا يتسع مقال لذكرها جميعها، ويكفي أن تطالع وسائل الإعلام لتشاهد أخبار العنف باسم الدين والصراعات التي ترتكب في أماكن عديدة من العالم يتم الاعتداء فيها على الآخرين بسبب هويتهم الدينية وما العراق وميانمار و باريس ونيجيريا إلا مثال.

كيف لنا أن نفسر هذه النزعة إلى العنف وإراقة الدماء! وبهذا الصدد يخطر في بالي حوار دار مع صديقة بوذية، فعندما جئت للدراسة في تركيا كانت هذه تجربتي الأولى في التعايش مع أناس آخرين مختلفين في الدين والعرق واللغة جعلتني في بداية الأمر اضطرب، حتى أدركت أن الفروق على أهميتها لا تنفي المساحات المشتركة الواسعة، هذه الصديقة كانت هي الأخرى تتعامل مع المسلمين للمرة الأولى وقالت إن عائلتها رفضت مجيئها هنا خوفاً عليها، حدثتنا لاحقاً "أن الصورة النمطية التي اعتدت عليها من خلال الإعلام تصور المسلمين بشكل إرهابي طوال الوقت لكني وجدت العكس، أنتم مثلنا ".

في الحقيقة لا يتوقف التحريض فقط على المسلمين ولكن هذا الخطاب الكريه اللاإنساني يشكل أفكار الكثيرين في هذا العالم ويشحنهم بالكراهية ورفض الآخر، بل قتله إن لزم الأمر، ونحن الآن في لحظة حرجة تحتاج منا جميعاً أن نقف صادقين أمام أنفسنا والآخرين، نحن بحاجة لإفراغ عقولنا وإعادة التفكير في خلق عالم أفضل عن طريق تعزيز الحوار وفهم الآخر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.