شعار قسم مدونات

الجَميلاتُ هُنَّ القَويّات

blogs - الصومال
منذ أكثر من عشرين عاماً، يوم اجتمع رجال القوم على حمل السلاح وقتل كل الطيور في البلاد، لم تكن النساء تدركن حينها غايتهم من القتل، ولكن أدركن في ذلك اليوم أنه كُتِبَ عليهن الشقاء. من يومها وكل نساء الصومال تَعهَدنَ بأن يغسِلنَ الدم عن وجه الوطن، من يومها وكل نساء الصومال أبَينَ إلا أن يَكُنَّ أحزمةَ نورٍ في ظل كُلِ تلك العتمة.

 

لقد اختزلت المرأة الصومالية في الثلاثين عاماً الماضية جميع صور البطولة والصبر والقوة والعطاء والفداء، ففي الصومال نساءٌ أهدين قُلوبهن للوطن، وأخَر مغتربات أفنين أعمارهُن لأجل فلذات أكبادهن، و ُخر قدمن رياحين أرواحهن للوطن فكن بذلك صناع الغد والمستقبل.

فمنذ اندلاع الحرب الأهلية في الصومال عام 1991 شهدت المرأة الصومالية جميع أنواع الجرائم والخسائر المتوقعة في حالات الحروب وأولها فقدانهم للزوج أو الأب المعيل، مما ترك عددا كبيراً من النساء من دون معيل وبدون مصدر للعيش، فأصبحت العديد منهن العائل الوحيد في الأسرة. وبذلك أُجبرنَّ على مسؤولية كسب الرزق من أجل عوائلهن.

إن من أوقد الحرب الأهلية في الصومال بفتيل الفوضى، يستطيع أن ينقص من هذا الصراع شيئاً فشيئاً وذلك بزوال مكونات وجوده الأساسية

وعلى الرغم من كل ظروف الحرب البشعة والقاسية التي واجهتها، تقف المرأة الصومالية اليوم كنموذج واقعي وحي لتغيير الفكرة النمطية السائدة التي تنص بأن المرأة هي الحلقة الأضعف في الأزمات، وعلى العكس أثبتت أنها قد تكون العامل الأقوى في التصدي والصمود في ظل الأزمات، وسجلت في التضحية مواقف قل نظيرها في مجتمعات العالم أكمل.

اليوم، وفي ظل التحولات السريعة التي يشهدها الصومال في إيقاف الصراع ومحاولة إعادة بناء الدولة لتحقيق السلام والديموقراطية في المنطقة، تقف الصومال على مفترق الطرق؛ إذ أن تحقيق وبناء السلام يختلف كلياً عن تجميد الصراع وإيقاف الحرب. ذلك أن من يطلق النار يستطيع إيقافه. لكن هل سيستطيع بناء عقد اجتماعي يلغي ما شوهته الحرب؟ هل سيعيد التماسك الاجتماعي لقبائل وقوميات فرقتها أيديولوجيات الحرب وجمعتها جغرافيا البلاد؟

إن من أوقد الحرب الأهلية في الصومال بفتيل الفوضى، يستطيع أن ينقص من هذا الصراع شيئاً فشيئاً وذلك بزوال مكونات وجوده الأساسية. ولكن بكل تأكيد لن يستطيع أن يداوي جراح الصراع والانفصال. ذلك أن أصل هذا الصراع قد صُمِمَ من قبل محترفين أثاروا كل الخلافات القبلية لينخرط المجتمع في صراع عنفي عدمي.

لذا كان من البديهي أن يجلس أطراف هذا النزاع على طاولة المفاوضات السياسية من أجل صناعة التسوية التي قد تنقذ الصومال، لكن عملية بناء السلام ليست بالأمر السهل إذ أنها تتطلب انخراط أطرافٍ أخرى لم تكن طرفاً في الصراع، وهما قوتان يعول عليهما الصومال لبناء المستقبل، القوى السياسية الديمقراطية من جهة، وقوة النساء من جهة أخرى. وهنا يصح القول أنه لا يمكن حل المشكلة إلا إذا نظرنا إلى القضية من أبعاد سياسية مختلفة و بُنى اجتماعية مكملة.
 

إن خلق حراك نسوي ديموقراطي في الصومال اليوم يساهم وبشكل كبير في عملية بناء السلام المستقبلية وذلك أمر في غاية الحيوية، إذ يتطلب انخراط المرأة الصومالية بشكلٍ فعلي في العمل السياسي وبأدوارٍ قيادية. وهذا الأمر يتطلب جهوداً من القيادات السياسية الذكورية بالصومال بإفساح المجال لعدد أكبر من النساء للمشاركة في اللقاءات السياسية والمنافسة للحصول على نصيبيهن في الحياة السياسية بمجهودهن الخاص.

 

لا يمكن أن تتحقق نهضة الصومال الحقيقية إلا بوجود المرأة كجزءٍ أساسي في هذه النهضة وما أعنيه هنا هو وجود المرأة إلى جانب الرجل في البناء، لا في ظله

ومن جهة أخرى لا بد من تشكيل منظمات نسوية للعمل على القضايا النسوية والحقوقية، وأن لا تقتصر تلك المنظمات على القضايا النسوية فقط بل أن تعبر إلى القضايا السياسية أيضاً. كما أنه من الضروري أيضاَ تمكين الصوماليات في مجتمعاتهن المحلية، إذ أن تحقيق السلام في مجتمعات ما بعد الصراع يستوجب تنظيم المجتمعات المحلية، وهنا يكمن دور النساء الحقيقي وذلك بسبب نقص عدد الرجال نتيجة القتل والاختفاء والسفر وغيرها من تبعات الحروب. ولن تستطيع المرأة الصومالية القيام بجميع هذه الأدوار دون مساندة حقيقية من القيادات السياسية.

وعلى الرغم من التناقض الفكري الواضح في المجتمع الصومالي بين مادحٍ وممجد للمرأة وواقع اجتماعي متعصب استطاعت المرأة الصومالية أن تشُقَ طريقها المليء بالأشواك، وبرهنت نجاحاً متميزاً ودوراً رائداً في مجالات عدة داخل وخارج البلاد. وهذا ما يفرض دعمها في مسيرتها ومشوارها العلمي والعملي لتتبوأ المكانة والدور اللذين يعودان لها في المشاركة بالشأن العام وإبداء الرأي واستلام مناصب قيادية حقيقية ليس فضلاً بل إيماناً بالدور الجوهري الذي يجب أن تحتله المرأة في زمننا الحاضر.
 

ذلك أنه لا يمكن أن تتحقق نهضة الصومال الحقيقية إلا بوجود المرأة كجزءٍ أساسي في هذه النهضة وما أعنيه هنا هو وجود المرأة إلى جانب الرجل في البناء، لا في ظله وذلك عن طريق إنهاء جميع النظريات المندثرة المتخلفة التي تصور المرأة دوماً في ظل الرجل. لأن الحديث عن مستقبل أفضل للصومال دون مشاركةٍ حقيقيةٍ للنساء، يعني الحديث عن المزيد من الخلاف والتصدع. وتبقى المرأة هي صانعة الشعوب، وتكمن أهمية إعدادها في إعداد المجتمع بأكمله وتثقيفه، فالمرأة وراء كل عظيم وهي أساس التقدم وازدهار البلاد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.