شعار قسم مدونات

الحكم الذاتي.. النموذج الذي يطمح إليه المغرب

blogs - ملك المغرب والرئيس الفرنسي ماكرون
قد لا يختلف مفهوم الحكم الذاتي عن مفهوم الجهوية من حيث حدّهما بتعريف شامل وموحد، نظرا لارتباطهما بالنظم الداخلية للدولة التي تنهج الجهوية كأسلوب للتقسيم الترابي، والحكم الذاتي كآلية لمنح إقليم ما استقلالية نوعية في تسيير شؤونه تحت مراقبة بعض أجهزة الدولة. وتختلف طرق كل دولة على حدة في تطبيق هذه النماذج اعتمادا على ظرفيتها السياسية والدافع الأساسي للجوئها إلى ذلك؛ كتوفرها على جماعات انفصالية تهدد أمن الدولة ووحدتها (الجهوية) أو لاعتبارها دولة استعمارية تريد تخليص إقليم ما من تبعيته لها (الحكم الذاتي).

كما يمنع من تحديد مفهوم واضح للحكم الذاتي؛ ازدواجية مدلوله بين الجانب السياسي والجانب القانوني، وتأثره بالفكر الإنساني الفلسفي. ونظرا لتعدد التعاريف التي حاولت أن تحيط بالمفهوم لعدم توفر نموذج عالمي واحد، فسنعمل على انتقاء التعاريف القريبة من النموذج الذي يطمح إليه المغرب في هذا المجال. وبالتالي يمكن تعريف الحكم الذاتي، انطلاقا من تعريف الفقيه الإيطالي "جيانيني" الذي جاء فيه: "يقصد بالحكم الذاتي في الحقبة المعاصرة التنظيمات ذات السلطة العليا. بمعنى أن الدولة -تمنح- عن طريق قوانين خاصة بها الهيئات الإقليمية التي تشكل جزءا من نظامها بعضا من سلطاتها العامة".

إذا اعتبر المغرب بمثابة دولة مستعمرة، فإنه بإمكان الأمم المتحدة أو غيرها أن تسهر على تطبيق نظام الحكم الذاتي الدولي، الذي سيمكن الأقاليم من الاستقلال الذاتي عن السلطة المركزية.

كما ذهب عديد الفقهاء إلى اعتبار الحكم الذاتي عبارة عن: "نظرية أو قاعدة تعبر عن الفكرة التي تكمن وراء أي نظام لا مركزي يسعى إلى تحقيق نوع من الاستقلال، وهو بذلك أساس وعنصر من اللامركزية أيا كان شكلها ونظامها القانوني، باعتباره يفضح عن ميل واتجاه نحو تقليص السلطات المركزية في الدولة، وتوسيع السلطات الإقليمية المتهمة بالشؤون المحلية أو الذاتية".

وحسب فقهاء القانون العام الذين يعتبرون الحكم الذاتي بأنه "ممارسة شعب الإقليم سلطته الداخلية بأنفسهم، وخاصة فيما يتعلق بالشؤون التشريعية والتنفيذية والقضائية". وقد وضع الفقيه جينينا ثلاثة أوصاف للحكم الذاتي، وهي كالآتي:

1- الحكم الذاتي التقريري: وهو استقلال الأحكام التي تصدرها هيئات الحكم الذاتي، وعدم ارتباطها بغيرها.
2- الحكم الذاتي المالي: وهو أن تكون لدى الهيئة التي تتمتع بالحكم الذاتي موارد مالية تكفي لسد حاجات وتصريف أعمالها.
3- الحكم الذاتي الإداري: أن يكون توجيه السلوك الذاتي للهيئة الإدارية اللامركزي نابع من اختيار ذاتي.

ويضاف إلى هذه الأوصاف الثلاثة، وصفان آخران (الدولي والداخلي) يبينان طبيعة الحكم الذاتي. فالحكم الذاتي الدولي يحتفظ فيه الإقليم بسلطات داخلية دون رقابة عليا، كالتي نلاحظها في النظم اللامركزية. وعموما يكن تعريفه بأنه: "كيان قانوني وسياسي يقوم على أساس وجود إقليم منفصل وشعب مميز وحكومة ذاتية". بمعنى آخر؛ أن الحكم الذاتي في إطار السياسة الدولية هو عبارة عن: "صبغة قانونية لمفهوم سياسي يتضمن منح نوع جديد من الاستقلال الذاتي للأقاليم المستعمرة، لأنها أصبحت من الوجهتين السياسية والاقتصادية جديرة بأن تقف وحدها مع ممارسة الدولة المستعمرة للسيادة عليها".

الحكم الذاتي في نطاق القانون الداخلي؛ أسلوب للحكم والإدارة في إطار الوحدة القانونية والسياسية للدولة. وهذا الصنف غالبا هو الموافق لحال المغرب.
الحكم الذاتي في نطاق القانون الداخلي؛ أسلوب للحكم والإدارة في إطار الوحدة القانونية والسياسية للدولة. وهذا الصنف غالبا هو الموافق لحال المغرب.
 
أما الحكم الذاتي الداخلي فمبناه أنه: "نظام قانوني داخلي يرتكز أساس والحكم الذاتي على قواعد القانون الدستوري" بمعنى آخر فهو: "نظام لا مركزي مبني على أساس الاعتراف لإقليم مميز قوميا أو عرقيا داخل دولة بالاستقلال في إدارة شؤونه تحت إشراف ورقابة السلطة المركزية". ولهذا فهو في نطاق القانون الداخلي أسلوب للحكم والإدارة في إطار الوحدة القانونية والسياسية للدولة".  وهذا الصنف الأخير غالبا هو الموافق لحال المغرب، إذا ما تم الحسم في اعتبار الأقاليم الجنوبية جزءا لا يتجزأ من التراب الوطني الإقليمي للمغرب.

أما إذا اعتبر المغرب بمثابة دولة مستعمرة لهذه الأقاليم، فإنه بإمكان المنتظم الدولي في شخص الأمم المتحدة أو غيرها أن تسهر على تطبيق نظام الحكم الذاتي الدولي، الذي سيمكن هذه الأقاليم من الاستقلال الذاتي عن السلطة المركزية ـ حسب منطوق التعريف الأول ــ، ناهيك عن الحل الثالث الذي قد تفكر فيه الأطراف المستفيدة؛ ألا وهو السعي إلى زيادة دولة جديدة للدول المغاربية تحت أي اسم كان، وهو ما سيزيد من توسيع الهوة بين جل هذه الدول، من خلال زيادة ترسيم الحدود التي ورث الاستعمار بها الدول، بالإضافة إلى تشتيت الجهود والحول دون القدرة على تحقيق الحلم النائم المتمثل في بناء اتحاد المغرب العربي، وتمتين الروابط الاقتصادية والسياسية.. بين دول المنطقة التي ما زالت الدول الغربية تعتبرها سوقا استهلاكية بامتياز، كما كان حالها قبل وبعد الاستقلال.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.