شعار قسم مدونات

الجزائر ليست جزءاً من الجزيرة العربية

blogs الجزائر
عند قراءة تاريخ الجزائر الحديث بتمحيص شديد، ستجد بشكل حتمي شخصية مثيرة للجدل، تلك التي نازلت الكثير من "عمالقة" الفكر السياسي الجزائري، إنه فرحات عباس، هذا الإنسان الوطنيّ، قد فهم جيّدا محركات التاريخ وحركته، مما جعل أولوياته تتضمن المطالبة بالحرية والمساواة، بدل الانحصار ضمن عواطف تقود الشعوب لمسافات قصيرة ثم تتركها وتمضي، وبحركته هذه فقد فتح على نفسه أبواب الانتقاد، وحتى الشتم والسباب الذي لا يمكن لعاقل أن يقبل به.. مثل كافة الشعوب المظلومة على الأرض، الشعب الجزائري ليس استثناء أو حالة مرضية شاذة، وعليه فإن مراجعة مساره يُطرح بإلحاح، كون أنّ عوالم العالم الفقير تشترك في الفوضى والجهل والتهميش والاستبداد، وهي تعادل النار والماء والهواء والتراب في التقويم الكوني الصيني القديم، بالطبع إن ما تعلّق الأمر بالحضور العالمي للفقر والعَوَز.

اعتمادا على ما أعيشه كجزائري وما حاول محاربته فرحات عباس أيضا، يمكنني القول بأنّ: التدخّل (intervención) هو العدوّ الأبرز للوجدان الجماعي، فسواء كان هذا "التدخّل" خارجي أو غير ذلك، فإنّه ينحت طعم المذلة في النفسية المبكرة لدى الجماهير، ويبذر في الروح العميقة لدى الفرد المقهور دين الهوان، حتى تصبح كافة الأعمال التي تنتهك مجرات الأمل الشعبي عبارة عن أفعال طبيعية وجب الرضوخ لها حينا، ومقاومتها بالفعل "الانفعالي" لا غير أحيانا أخرى. العاطفة العريقة للأصالة الجمعية بمثابة السرطان الذي يوهم المريض بأنه قَدَره المحتوم، وأنه أكثر من مرض، وبالتالي على هذا المريض أن ينصاع لآلام أورامه بلا أية مقاومة، بل إنّ أوهام العواطف وعيش حالات الهجرة الروحية نحو سعادة زائفة تتولّد بالاحتفال بنشوة عابرة، هي فقط هروب إلى المجهول حيث يصبح الفرد أكثر من مظلوم، يصبح عبدا للظلم بطريقة طوعية من حيث لا يَدْرِ.

الجزائر ليست جزءا من الجزيرة العربية، وإن كانت العربية لغة "مقدسة" عند بعض الإسلاميين الجزائريين المتحمسين، فإنّها لن تكون أداة تواصلية لدى الجزائري العادي أبدا.

الجزائري غيّبته العاطفة الثورية فراح يطارد وهم "الاستقلال"، استقل عن فرنسا بالفعل، لكنه لم يصبح حرّا حرية سيادية فعلية، لربما قاده حماسه الديني إلى الشرق، فراح يعشق اللسان العربي، في حين أنه نسي بأن وجدانه أمازيغي وروحه تتكلم بلسان فرنسي فصيح، وبدل أن يخطو باتجاه التحرّر من الثقافة الفرنسية عبر تكوين الشخصية البوليفارية الجزائرية المتميزة عن سائر الشخصيات الأخرى، راح يرتمي في أحضان الشرق بلا بصيرة واقعية، مثله في ذلك كمثل امرأة حاولت أن تستبدل حياة الفجور بحياة زواج قائم على النفاق والنميمة، بالطبع هذا لم ينجح.

الجزائر ليست جزءا من الجزيرة العربية، وإن كانت العربية لغة "مقدسة" عند بعض الإسلاميين الجزائريين المتحمسين، فإنّها لن تكون أداة تواصلية لدى الجزائري العادي أبدا، ولا حتى المثقف، وما عليكم سوى دخول أروقة الجامعات الجزائرية لتفهموا ما أقوله، لمن عجز عن ذلك عليه أن يزور إحدى الأسواق في الجزائر والإنصات لما يتكلم به الجزائريون؛ لا أقول إن الفرنسية هي البديل الشرعي للعربية في الجزائر، فهي تبقى لغة المستعمِر المحتل الظالم، ولكنني أرى ذات التدخّل يتكرر بواسطة العربية، فليست العربية أيضا لغة الجزائر أيضا، كونها قد أتى بها مستعمر آخر أكثر تجبّرا وجهلا.

التدخّل الأوروبي في الجزائر له توأمه المشرقي، الأوّل بحجة الحضارة والثاني بحجة الدين، لكنّ أفعالهما الاستعمارية واحدة، وظلمهما واحد مع اختلاف بسيط في الحدّة والدرجات؛ فماذا حمل الاستقلاليون للجزائر؟ العلمانيون حملوا الاستبداد لأشقائهم، والاسلاميون حملوا لهم الدم والتطرّف، تكوين الوطن الجزائري لا يقوم سوى باحترام كافة الشرائح من جهة والركون إلى الأصل الأمازيغي من جهة ثانية، لا يمكن اقصاء الاسلام ولا الفرنسية، ولا يمكن تهجير العمامة الصفراء ولا تهميش الجلابة البنية، لأنّ كافة الأجزاء المعنوية هي مهمة لتجسيد الهوية الجزائرية المتحررة بالفعل، لأن الاستقلال لا يكفِ.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.