شعار قسم مدونات

المفهوم الخاطئ للقاعدة الصلبة

Blogs-syria
"الحكم فرع عن تصوره" هذا ما طفق الكاتب جاسم سلطان يردده في مجموعة كتبه التي تتحدث عن النهضة، مستهدفاً ذلك شباب ثورات الربيع العربي اليوم، الذين يقفون أمام استحقاقات كثيرة من منطلق المسؤولية والالتزام اتجاه بلدانهم، فمتى ما كانت معطيات التصور سليمةً، كان الحكم صحيحاً كذلك الأمر، الشيء الذي يساعد كثيراً كل الساعين نحو النهضة في بلادهم اليوم.

    

في قراءتي لكتاب قوانين النهضة، للكاتب جاسم سلطان، ضمن برنامج strategos للقراءة، مشكورين. كان لي أن أصاب بالصدمة لأمور كثيرة كان قد نبهنا عليها الكاتب هنا، إذ أننا عندما أشعلنا الثورة السورية، لم نعِ ما يتوجب علينا إكماله فيما بعد هذه المرحلة -الشرارة- من مشروع نهضة، يتطلب ذلك منا أموراً كثيرة ليس ابتداءاً برسم خارطة معرفية، ولا انتهاءاً بمعرفة مصطلحات تلزمنا وإدراك تجارب السابقين وتجاوز أخطاءها.

     

قبل أن أشرع بسرد فكرتي يستلزمني توضيح بعض الأمور التي كان قد أطلعنا عليها الكاتب قبلاً بذات هذا الكتاب، عندما تناول إحدى قوانين النهضة، التي يجب مراعاتها في هذا الطريق، وهو اختيار الشرائح. ففصائل المجتمع، يتم تصنيفها هنا تبعاً لمراحل النهضة، شريحة البدء وهي التي تشتمل على الرعيل الأول من الناس الذين اجتمعوا على فكرة النهضة، ومن بعد شريحة التغيير وهم أصحاب النفوذ والمنعة، أو ذوو الشوكة الذين بإمكانهم نقل النهضة من طور الاستضعاف إلى القوة والتمكين، والشريحة الثالثة هي البناء والتي يشارك بها جميع فصائل المجتمع، ولا تقتصر على من أشعل نار هذه النهضة، من أهل "شريحة البدء".

                  

"رب حديث عهد بدعوة هو أرضى لله وأكفأ لخدمة دينه من سابق لا يمتلك الهمة ولا الموهبة" جاسم سلطان، مؤلف سلسلة كتب عن النهضة
 
اليوم، استوقفني الجزء الذي يتحدث عن الأخطاء التربوية، التي نرتكبها اليوم في سعينا للنهضة بشكل عام، لاسيما المفهوم الخاطئ للقاعدة الصلبة، أو شريحة البدء كما تم تسميتها أعلاه، الذي يتمثل (المفهوم) بالاعتقاد بأن هذه القاعدة تنحصر فقط بمن سعى إلى البدء بها، وكانت له قدم السبق بذلك، إنما هي تشمل كل من مضى بها من بعد المرحلة الأولى، وسعى إلى إغناءها بالبذل والعطاء، وضرب لنا الكاتب بذلك المثال، عندما ذكر لنا سيدنا عمر بن الخطاب، الذي تأخر في انضمامه للنهضة (إن صح التعبير هنا) وإعلان إسلامه وانضمامه للرسول عليه الصلاة والسلام، بعدما كان سيدنا أبو بكر والحمزة بجانب الرسول، وخضعوا لتربية ما، لم يحتاجها سيدنا عمر، حتى يمضي في هذا المشروع ويكون من قاعدته الصلبة فيما بعد.

       

يكمل الكاتب بالقول "خياركم في الجاهلية، خياركم في الإسلام، إن فقهوا فإن العنصر ذا المعدن القوي خارج نطاق الدعوة هو العنصر القوي بداخلها، ويجب عدم تأخيره عن العمل والجهد، وأن ينال مكانته بمجرد أنه لم يكن من الأوائل، فرب "مبلغ أوعى من سامع"، ورب حديث عهد بدعوة هو أرضى لله وأكفأ لخدمة دينه من سابق لا يمتلك الهمة ولا الموهبة.

      

إذا ما أردت إسقاط ذلك على الثورة السورية، التي تشهد بدء انقشاع الضباب عنها وانقضاء مرحلة الصحوة، نحو مرحلة اليقظة التي تتصف بالرشد والنضوج نوعاً ما، فإن هذا المفهوم الخاطئ بخصوص القاعدة الصلبة، واقعٌ به جل من هو قائم الآن على الثورة السورية (مشروع النهضة) من مثقفين وكتاب وكفاءات بشكل عام، إذ أنه سائد بيننا (إلا من القلة العاقلة والقارئة) بأن المشروعية تنحصر بالثوار الأوائل من الصف الأول (الذين لم يبق منهم الكثير اليوم) لا بمن يملك الولاء اللازم لمضي فكرة مشروعنا نحو الأمام، ويسعى جاهداً في البذل والعطاء في سبيل تحقيق الأهداف المرجوة لنهضتنا.

      

عندما قيل بحقنا، بأننا أمة لا تقرأ، وإن قرأنا لا نفهم، وإن فهمنا لا نعمل، لم يكن ذلك سبَّة بحقنا، إنما عيب قد جبلنا عليه وعرفنا به أمام الأمم. فما نحن بأمس الحاجة إليه اليوم، هو القراءة، لنتعلم من تجارب التاريخ ولا نخطئ بإدارة نهضتنا وتحقيق أهدافنا بمستقبل واعد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.