شعار قسم مدونات

التنمر المدرسي.. إلى متى؟

blogs حزن

كيف لي أن أستوعب أن قصر قامتي البسيط وطبعي الهادئ سيكونان نقمة أواجهها في حياتي؟! هذا ما كان يدور في رأسي وأنا طفل في سنواتي الأولى في المدرسة قبل أن أعلم حقيقة ما كان يدور حولي. أنا ذلك الطالب الذي عانى من وجود "الشللية" المتنمرة في المدرسة والتي لسوء حضي كانت في مدرستي على أوجها.. لا أستطيع حقا تحديد مشاعري إلا أني قادرٌ تماماً على حصرها بين الخوف والعجز كمن يذهب كل يوم إلى مكان ليفقد جزءا منه ويعود.

كرهت المدرسة والدراسة والمعلمين والتعليم كرهت المجتمع وكرهت الجينات البشرية التي تعطي طوال القامة وذوي البنية الضخمة كما كنت أعتقد تصاريح لممارسة العنف النفسي والجسدي علينا. أساليبهم كانت عميقة الأذى فهم يستنزفون قوة الشخص وطاقته قبل أن يعتدوا عليه وكان لهذا الأثر الأعظم.. فالاستهزاء المتكرر بي وتقليدي في الكلام والميول إلى النبره الهادئة مع الضحك المتواصل أصبح حاجزاً منيعا أمامي للمشاركة في الدروس والحصص على الرغم من معرفتي لمعظم الأسئلة التي تطرح إلا أن الخوف الذي في داخلي للدخول في موجه الاستهزاء كان عائقا لرفع يدي للإجابة.

الفسحة المدرسية كانت الأسوأ وموقف انتظار الباص كان كابوسا والحمامات المدرسية لم أدخلها قط رغم حاجتي لها أما الوقوف في ممرات المدرسة مع الأولاد كان حلماً بالنسبة إلي. أي مكان يجمعني دون معلم مع هذه المجموعة كان بحد ذاته عذاب نفسياً لي سواء قاموا بتعنيفي نفسيا وجسديا أم لا. كنت أنظر إلى الأطفال الطبيعيين الذين لا يتعرضون للتنمر مثلي والذين يسيرون في ساحات المدرسة مع أصدقائهم ويلعبون ويضحكون بعين الحقد والحلم.. الحقد على سعادتهم التي أتمناها والحلم بممارسة حقي البسيط هذا داخل أسوار مدرستي.

علينا زرع الوعي لدى أبنائنا بصفات المتنمرين والأسباب التي تؤدي بهم لممارسة هكذا تصرفات حتى يعو تماما أن ما يقومون به هؤلاء المتنمرون هو من منطلق ضعف لا قوة كما يعتقدون
علينا زرع الوعي لدى أبنائنا بصفات المتنمرين والأسباب التي تؤدي بهم لممارسة هكذا تصرفات حتى يعو تماما أن ما يقومون به هؤلاء المتنمرون هو من منطلق ضعف لا قوة كما يعتقدون

بدأت العزلة تظهر علي أكثر فأكثر فأمي التي تعرف طبعي الهادئ قادرة تماما على التمييز بينه وبين طبعي المنعزل. بقدر صمتي لساعات طوال كنت أتحدث داخلياً مع نفسي صراعات وأحداث داخلي تجعلني أحترق تصورات وتهيئات أخذت تذيب كل ما لدي من طموحات من فرح من سعادة حتى الألعاب بدت من حولي رغم كثرة ألوانها بلونين فقط الأبيض والأسود رغم هدوئي الذي وصل حد العزلة لاحظت والدتي سلوكات لم أكن أمارسها كضرب القطط بوحشية وتكسير الألعاب.. قطع أوراق الشجر بعنف وتمزيق صفحات الكتب جميع ذلك استدعى والدتي إلى الذهاب بي لاستشاري نفسي لتشخيص حالتي وتم فعلاً الوقوف على الأسباب والدوافع لتصرفاتي وبدأ بعلاجي كما قامت والدتي بوضع مدير المدرسة بالصورة ونقلي إلى مدرسة أخرى.

أتساءل الآن وأنا أدرس الطب النفسي لو لم تكن أمي بذلك الوعي الذي أخرجني من كهف كاد أن يودي بحياتي هل سأكون الآن متنمرا كبيراً ؟ أم أني من الأساس سأكون في عداد المنتحرين بسبب ذلك التنمر؟ بحثت كثيرا في دراساتي وعرفت كم من الضعف الداخلي والنقص والحرمان الذي يمتلكه المتنمرون والذي أودى بهم إلى ذلك السلوك فمعظمهم يقومون بالتنمر بسبب العزلة في محيطهم العائلي وحاجتهم للانتماء لجماعة وتتجسد أفعالهم بالعنف النفسي والجسدي أحيانا بسبب فقدانهم للمهارات الاجتماعية من أسرهم وعجزهم عن لفت الانتباه أو المحافظة على الأصدقاء إلا بتلك الطريقة.. فمن منطلق ضعفهم بهذه الناحية يحاولون إيجاد من هم أضعف منهم بدنيا أو سلوكيا وتفريغ طاقاتهم هناك.. لكني كطفل في المدرسة لم أكن أعي هذه الأسباب كل ما كان يدور في رأسي هو قصر قامتي وأن هذا الدافع وراء استهزائهم الدائم بي.

كم من الاهتمام والمراقبة لأطفالنا نحتاج في ظل انتشار هذا السلوك؟ كم من الأذى قد يحمله أطفالنا داخلهم دون علمنا بهم؟ الكثير من المسؤولية توضع على الأمهات والأباء لمراقبة كافة السلوكات والأنماط والتغيرات التي قد تطرأ على أطفالهم في المدارس والكثير الكثير من اللوم يوضع على المدارس والمدراء والمرشدين النفسيين للحد من وطئة هذا الأذى الذي يقطن بيئتهم المدرسية ويهدد مستقبل وحياة الكثير من الأطفال دون علمهم.

علينا زرع الوعي لدى أبنائنا بصفات المتنمرين والأسباب التي تؤدي بهم لممارسة هكذا تصرفات حتى يعو تماما أن ما يقومون به هؤلاء المتنمرون هو من منطلق ضعف لا قوة كما يعتقدون وحتى يكون لديهم العلم والوعي الكافي بردة الفعل في حال تعرضهم لهكذا جماعات في بيئاتهم المدرسية.. علينا محاورتهم الدائمة حتى يبوحو لنا في حال تعرضهم لموقف من هذه المواقف.

المجتمع جميع على حد سواء عليه أن يتكاتف لإيقاف التنمر بمفهومه العام والمدرسي بشكل خاص لما له من الضرر الأكبر. التنمر يؤثر جلياً بالكثير من الأطفال في المدارس بسبب سلوكهم الهادئ أو بنيتهم الجسدية الضعيفة وسجلت حالات انتحار كبيرة في العالم بسبب هذا التنمر. التساؤلات في ظل هذا الكم الهائل من الحالات التي تعرضت للضرر النفسي والجسدي من صُرحت عن حالاتهم ومن لم تُصرح، أين حملات التوعية في المدارس وبين الأهالي وفي المجتمع عامة أين الجهات المسؤولة عن هكذا فجوة تؤثر على مستقبل أبنائنا وحياتهم.. ويبقى التساؤل الأكبر في عقول أطفالنا المتضررين.. التنمر المدرسي إلى متى؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.