شعار قسم مدونات

طفل متلازمة داون.. قدّيسٌ مجنَّح

blogs - girls

كيف يبدو الطفل المصاب بمتلازمة داون؟ يعني أن ترى كائناً ملائكياً، مخلوقٌ عجيب، مخلوقٌ عُجنَ من حلوى بكل الألوان من مدائن حب! كنتُ أختلس النظر إليه بين الحين والآخر، طفلٌ مصاب بتلك التي تسمى "متلازمة حب"، كنتُ أخشى أن يظنّ البعض أنني أنظر عطفاً وشفقة، في الحقيقة كنتُ أغبط والدته عليه، كان يحتضنها وكأنها عالمه الوحيد، يرمق شقيقته التي على يميني ويشع بابتساماته تجاهها، لوهلة شعرت وكأنني أجلس على قارعة العالم وأقصى المُنى ابتسامته لي.

كان مشهد احتضانه لوالدته وقُبَلهُ لها بين الحين والآخر وكأنهما لوحة، وأيّها لوحة؟! وكأننا خلفية لتلك اللوحة العظيمة، والأكيد أن الخلفية أعشاب مصفرّة والربيع كله في هذا الصغير ووالدته. رحتُ أتساءل: كيف تحزن والدته ولديها هذا الملائكي؟ ما شكل الحزن بوجوده؟ كيف تسير والدته على الأرض؟ هل وقع خطاها يكون على الأرض أم أنها تسير على الغيوم؟ كيف يشعر أشقاؤه إن غاب ولو لثانية؟ كيف تنام العائلة ليلاً ويستيقظون صباحاً؟ أيرون وجوده بينهم شيئاً عادياً؟ كيف لا تصيبهم نوبات دهشة وحب كل صباح؟

أينام على سرير خشبيّ مثلنا أم أنه ينام في قلب العالم؟ كيف أمرُّ من جانبه وأمضي دون أن ينثر مدينة ألعاب على جانبي المحاذي له؟ كيف اجتمعت أسباب السعادة كلها بين يديه؟ وددتُ لو سألتُ والدته: كيف حظيتِ بصندوق الحب هذا؟ كيف كان شعورها حال استلام هذه المنحة؟ كيفَ قفز الفرح فيها فجأة؟ هل يكفيه قدر الحب الذي تسقيه لإخوته الآخرين؟ كيف يقطن هو وإخوته الأصحاء في قلبها؟ أظنّه يستلزم قلباً لوحده! كيف أستطيع لفت انتباهه؟ كيف أقول له أني والله هنا! كيف أكون عابراً لا عابراً؟ كيف؟ كيف! كنتُ أحسدُ الطاقية التي تقيهِ من أشعة الشمس، كيف لها أن تشعر وكأنها عادية؟ كيفَ لها ألا تفخر بما تفعل؟ ثمَّ كيف لأشعة الشمس أن تضرّه؟ أظنها تتحوّل إلى طيف الألوان السبعة في طريقها إليه !

كل يوم بصحبة طفل مصاب بمتلازمة الحب؛ يلقّنك دروساً في الحب، في الجمال، في فن أناقة القلوب. يسطّر في عنوانك اسمه وينثر حولكَ ياسميناً أينما حَلَلتْ!
كل يوم بصحبة طفل مصاب بمتلازمة الحب؛ يلقّنك دروساً في الحب، في الجمال، في فن أناقة القلوب. يسطّر في عنوانك اسمه وينثر حولكَ ياسميناً أينما حَلَلتْ!
 

أن يكون لديك طفلٌ مصاب "بمتلازمة الحب" يعني أن تملك ذراعاً يطوّقك مدى الحياة، تسقيه من نبعك الذي لا ينفذ وهو ينظر لك بعينيه الوديعتين وكأنك تقدّم له المجرّة على طبق، يراكَ كل أشياءه، فأنتَ قليله الكثير .وجودهِ في كنفك ينفض غبار الطريق عن عباءتك، يهدهد على روحك المنهكة بشقاوته، يجمعكَ حين يغزوكَ الشتات، يشدّ على يديكَ بقبضته الصغيرة فتشعر وكأنك لم تذق مرّاً من قبل. 

   

حين تغادر سفنكَ وحدهُ ينتظرك على ضفاف العالم، يحمل الفرح في راحتيه، يحملُ قلبك وكلّك. بسماته تربتُ على كتفك المتعَب، تروي صحراء قلبكَ الجرداء. تقطع كل الدروب تائهاً مطمئنَّ الفؤاد؛ لأن في ركنٍ ما من العالم لك شجرة تنتظرك لتستظلّ بفيها، لتمطركَ رحمة! كل يوم بصحبته؛ يلقّنك دروساً ودروس في الحب، في الجمال، في فن أناقة القلوب. يسطّر في عنوانك اسمه وينثر حولكَ ياسميناً أينما حَلَلتْ!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.