شعار قسم مدونات

وهم الهداية بأخلاق مسلمي اليوم

blogs - قرآن في الغرب
معظم المسلمين في أوروبا ما زالوا متشبثين بفكرة الدعوة من خلال الأخلاق بعبارات مثل "دعهم يرون أخلاق نبيك في أخلاقك" أو "أظهر لهم من أخلاق الإسلام التي تربيت عليها وسيهتدون" والحقيقة أن احتمالية حدوث هذا الأمر تكاد تكون معدومة، فمقياس الأخلاق لدى المسلم "الحالي" يختلف عن مقياس الأخلاق لدى الأوروبي. الأخلاق بالنسبة لـ "مسلمي اليوم" هي في كونه كثير الصلاة والذكر، ليس لديه علاقات محرمة، لا يرتاد البارات والديسكوهات، وأشياء من هذا القبيل ينظر إليها الغربي على أنه خيار حر محصور في خانة العلاقة الفرد الشخصية بالله والدين، فهي بالضرورة لا تؤثر على الآخرين في حال فعلها أو تركها.
أما الأخلاق التفاعلية التي قد تترك أثرها في الآخرين هي أخلاق المعاملات، كالصدق خصوصاً في البيع والشراء، والوفاء، الالتزام بالمواعيد والتي ربما لا يعرف كثير من القادمين عنها شيئاً، وغيرها من المعاملات التي تؤثر على الجميع بغض النظر عن معتقداته، ففي الحقيقة منافستنا مع "الكفار الأوروبيين" فيها تكاد تكون مستحيلة، لا بل معدومة. ما يقوم به الأوروبي من التزام وصدق تجاه الآخر يحرجنا في كثير من الأحيان، الأخلاق التي يمارسونها نابعة من ثقافة أصيلة تمارس بشكل طبيعي وتلقائي، ولو كررت معه هذه المواقف ستجده يكرر ذات الأخلاق بنفس الطريقة.

أما ما نرقبه من أخلاق المسلمين والوافدين عموماً هي أخلاق لا تمت بصلة لا لإنسانية ولا لدين، هذا ليس تعميماً وإنما تندر من أقوال وتصرفات تندي الجبين قام بها محسوبون على الإسلام موجودون في أوروبا، وطالت بسمعتها السيئة الإسلام كله، لتعمل على تصديق ما يشاع من كذب في إطار حملات الإسلاموفوبيا من قبل آلات الرأسمالية العالمية التي تخوض حرباُ ذكية ضروساً ضد الإسلام. لا تعجلوا سآتيكم بالتبيان لبعض الأمثلة التي شهدتها في السويد – وتكرر ذكرها غي دول الشمال الأوروبي تحديداً – على ممارسات "المسلمين" الذين ربما يقفون بجانبك في كل جمعة صفاً بصف، الكتف بالكتف والساق بالساق، منهم من يقوم ببيعك سيارة يخفي عنك عيوبها ما استطاع وتفاجئ فيما بعد أنه قد غشك ببيعك كتلة خردة حرفياً، ثم يأتي ويسلم وعندما تعاتبه ربما يحلف الأيمان الغلاظ أنه لم يكن منتبهاً، لكنك شربتها وانتهى الأمر.

تخيلوا أننا نرى ونسمع عن أشخاص يطلقون نساءهم أمام المحكمة الأوروبية ليحصل كل منهما على دعم مستقل وبيت مستقل وحده، ثم يقوم بتسجيل زوجته على أنها
تخيلوا أننا نرى ونسمع عن أشخاص يطلقون نساءهم أمام المحكمة الأوروبية ليحصل كل منهما على دعم مستقل وبيت مستقل وحده، ثم يقوم بتسجيل زوجته على أنها "سامبو" أي عشيقة

أيضاً يصعب أن تجد شخصاً أوروبياً يحاول المزايدة على شخص رست عليه بيعة ما، لكنك تجد وافداً -مسلماً وغير مسلم- يقوم بالتحاذق ليفسد بيعة أخيه من خلال الدخول على المزاد عبر الرسائل الخاصة للبائع وتقديم سعر أعلى، وسرعان ما يأتيه الصد من الأوروبي بأنه قطع وعداً لغيرك ولا يستطيع أن يتراجع. أما عن "أهل الذل" الذين يتتبعون المساعدات في دوائر الدعم الحكومي، فالعجب كل العجب، تخيلوا أننا نرى ونسمع عن أشخاص يطلقون نساءهم أمام المحكمة الأوروبية ليحصل كل منهما على دعم مستقل وبيت مستقل وحده، ثم يقوم بتسجيل زوجته على أنها "سامبو" أي عشيقة، فقانون الزواج يفرض عليك تقاسم كل شيء مع زوجتك عند الطلاق ويخفض من معوناتك التي من الممكن أن تحتال لتحصل عليها.

دون خلق تبريرات من قبيل أن فرصنا أقل وأنهم لا يسمحون لنا بالحصول على وظائفهم، قارنوا أوروبا بالدول العربية المسلمة من حيث كيف استقبلوا اللاجئين وإلى أي درجة أعطوهم حقوقهم ثم قارنوا بعد ذلك

تخيلوا أن عوائل بأكملها فيها بدل الشاب خمسة وأبوهم يتقدمون للحصول على الإعانة متحملين معاملة الموظفين ونظراتهم حين يقذفون المساعدات المالية في وجوههم، ويعملون في الوقت ذاته بالسوق السوداء لكسب المال رغم أنهم كانوا يشكون قلة الصحة وندرة فرص العمل. أيضاً جرب هنا أن تطرح أي سلعة في صفحات البيع والشراء في الدول الأوروبية، لن يلتفت لك أحد، ولن يشتري منك أحد إلا غر جديد لا يعلم ما هو مقبل عليه، رغم أنك ربما تكون صادقاً لكن الثقة أصبحت معدومة فقد ذاقوا الويل، حتى نحن الوافدين عرباً ومسلمين لا نشتري من بعضنا البعض في هذه التجمعات لأننا لا نثق ببعضنا البعض، لكننا نشتري من السويدي مثلاً بكل راحة واطمئنان. الكارثة أن بعض الوافدين يبررون ذلك بحجج أقبح من الفعل ذاته، من شبيه أنها حق لهم وأنها جزية يتوجب دفعها، وأن سرقة الكافر حلال.

قابلت شخصاً – لا يمت بسلوكه إلى الإسلام بصلة – يعمل في السوق السوداء سجله في الجرائم المالية عريض، يقول لي نحن نخدم كل من هم مسلمين مثلنا ثم حمد الله قائلاً أن لديه مسجداً يرعاه أيضاً، وفي نهاية الحوار طلب مني النقود "كاش" ليتهرب ضريبياً، ومن سجله علمت أنه قام بتزوير أوراق ليحتال على جهة ما ويحصل على قرض مالي بغير وجه حق.  وأما في ميدان الأسرة الهشة المتهالكة فحدث ولا حرج، تصفية حسابات محض، تلك وصلت من توها للمطار وزوجها الذي استقدمها ينتظرها لاستقبالها فقامت بالصراخ والتهديد إن اقترب منها ستشتكي لحقوق المرأة، وتطلب الطلاق وترمي أولادها هكذا بكل بساطة وتمضي. وذلك الرجل الذي يضرب زوجته ويسمع صراخها الحي بأكمله ويهددها بالطلاق فتصبر وتحتسب، وذلك الرجل يبيع كل شيء يملكه بعد أن يحتال على الدولة قدر ما استطاع ثم يستخدم اسم زوجته ليسجل ممتلكاته.

وهذه التي تزوجت زوجين خلال ثلاثة أشهر وهي على ذمة الأول، وتلك التي طلقت زوجها وتزوجت صديقه من نفس العائلة والعشيرة ورمت الشرق كله بدينه وعاداته وراء ظهرها. القصص التي تساق كثيرة جداً، والناس يجدون المبررات باستمرار للتحايل على الدين والناس لتقاضي المال وتكديسه، ما أختلف هنا أنه صاروا أجرأ بعد خسارة الضغط الاجتماعي والأعراف التي كانت في بلدانهم العربية والإسلامية. فحصلوا على هامش أعلى لممارسة سفالتهم. وبعيداً عن النقد المجرد، أعتقد أن ما يجب أن يحصل بعد النصح من المقربين هو فضحهم لدى الجالية، والتبليغ للسلطات عن أي خرق حاصل يشوه سمعة الدين، دون خلق تبريرات من قبيل أن فرصنا أقل وأنهم لا يسمحون لنا بالحصول على وظائفهم، قارنوا أوروبا بالدول العربية المسلمة من حيث كيف استقبلوا اللاجئين وإلى أي درجة أعطوهم حقوقهم ثم قارنوا بعد ذلك.

لا أفهم ولا أستطيع أن أفهم وجدود تبريرات للكسب الحرام، ما أفهمه أن المسلم هو الأقدر على التكيف، الأجدر بتحري الحلال. ما أرمي إليه أن تتكاتف الجهود لإعادة التربية الأخلاقية للناس في أوروبا، والضغط الاجتماعي الذي لا يعتدي على الحريات المرتبط فقط بما قد يؤذي السمعة العامة للمسلمين، وعلى الأسر الموجودة في الشرق متابعة أبناءها الموجودين في أوروبا بإلحاح شديد، وعلى هيئات علماء المسلمين الخاملة إيجاد وسيلة للوصول للناس والشباب، وأن لا ينتظروا قدوم الناس للجوامع، مع الابتعاد عن الطرق التقليدية والمؤسسات الدينية والشيوخ المشبوهة التي وقعت على سبيل المثال في إشكالات ضريبية، أو أن نوعية خطابها متعنتة وغير واقعية. هذا الحراك الذي يبدأ بالداخل سيهيئ لنا بسهولة أن نشكل منبراً قوياً لحماية الأقلية المسلمة في أوروبا بالقانون، ونبدأ ببناء جديد، بناء الإنسان الحضاري المسلم ما استطعنا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.