شعار قسم مدونات

المعتقلون المنسيون

Blogs-prison

تصور معي أنك تعيش في بلداً آمن يتمتع بالحرية والديمقراطية تمارس فيه حريتك الشخصية وفق ما تريد من رأي وعمل ومأكل ومشرب ومسكن تذهب أينما تريد وتفعل ما تريد فيما لا يؤذي الأخرين أو يعارض القانون طبعاً أنت الآن في نعيم جميل. الآن عزيزي القارئ تصور أن تحرم بشكل جبري وقسري من إحدى حرياتك كحريه التعبير مثلاً أو حرية الاختيار أو أي نوع من أنواع الحريات الإنسانية في هذه الحالة طبعاً ستشعر بالاستياء والغضب.

       

الآن يا عزيزي القارئ تصور أنك تعيش في سوريا في أي جزء من أجزاء سوريا في دمشق أو درعا أو حلب أو اللاذقية أينما تريد أن تتصور نفسك فلك الحرية. أن تعيش في بلداً قمعت فيه الحريات ابتداء من حرية الرأي والتعبير والعمل انتهاءً حتى التحكم في مآكلك ومشربك ومسكنك وحياتك وموتك كل ذلك ليس بإرادتك أنما وفق إرادة من يخططون لذلك، لا تستطيع الذهاب أينما تريد لا تستطيع أن تعمل ما تريد لا تستطيع أن تأكل ما تريد إلّا ما يسمح به بعض الأشخاص الذين يتحكمون بالأمور في سوريا، كيف سيكون شعورك آنذاك عزيزي القارئ! وأنك إذا فعلت ما تريده وإرادتك الحرة تعارضت مع إرادة السلطة فأنك ستتعرض كأبسط الأمور للسجن والاعتقال.

      

في سجون سوريا أناس ماتوا من النسيان، قتلتهم أوهامهم الخيالية بأن هناك في الخارج من يقاتل لأجلهم وأن هناك من يكافح ويناضل لحريتهم المفقودة والمسلوبة غصباً وقسراً

أنت ترى يا صديقي ما يجري للذين يعيشون فوق الأراضي السورية من ظلم واضطهاد والتعذيب وخوف ورعب وتشريد وفقر وجوع، هنا أتحدث عن الذين يعيشون في بيوتهم أو الأماكن التي أجبروا على العيش فيها، ومن هنا أنتقل بك إلى الذين يعيشون في أقبية الأمن وسراديب المخابرات وغياهيب السجون، الذين لم يروا الشمس منذُ سبع سنين والذين لم ينعموا بالراحة الجسدية أو النفسية منذُ سبع سنين والذين لم يرووا ظمئهم وجوعهم منذُ سبع سنين، وكأنها سبع سنين عجاف لا تنتهي أبداً من الجوع والعطش والتعذيب والتنكيل والاضطهاد فمن يدخل إلى تلك السجون لا يخرج منها أبداً حتى لو مات لا يخرج منها فهو يدفن بها.

           

هل لك ولو للحظة أن تتصور ما مّر على أولئك الأسرى في كل تلك السنين، هل تستطيع أن تصف آلامهم وأوجاعهم وشوقهم وحنينهم، هل تستطيع أن تتصور نفسك مكانهم وتحدثنا عن مشاعرك وأحلامك وآمالك! هذا أن بقي لك أحلام بعد هذه الفترة الطويلة في ظلمات السجون، وهنا عن نفسي أتكلم. لا أستطيع وأن حاولت أن أتصور نفسي مكان أحدهم ولو تخيلت ذلك لا أستطيع أن أتحمل ذلك العذاب والألم والأحلام الضائعة والآمال المفقودة والأوجاع الدائمة كيف لك أن تتصور نفسك تعيش في زنزانة تعذب بها كل يوم وتسمع فيها شتى أنواع الإهانات والشتائم من إنسان لم يعرف يوماً معنى الإنسانية والرحمة، كيف لنا أن نتصور أنفسنا نعيش في سجن ينسانا فيه الجميع، ولا أحد يتكلم لأجلك أو يفعل شيء لأجلك أو يقاتل لأجلك أو يدافع عن قضيتك.

   

في السجون السورية أيها السادة أناس ماتوا من العذاب وماتوا من القتل وماتوا من الجوع والعطش ولكن الأمر العجيب أنه (في سجون سوريا أناس ماتوا من النسيان) قتلتهم أوهامهم الخيالية بأن هناك في الخارج من يقاتل لأجلهم وأن هناك من يكافح ويناضل لحريتهم المفقودة والمسلوبة غصباً وقسراً، لا يشعُر بأولئك أحد ولا يدافع عنهم أحد ولا يتكلم عنهم إلا كلاب الساسة والسياسة لا لحريتهم إلّا ليقال أنهم تكلموا في الموضوع فقط، صدقني لا يشعر بهم سوى قلوب الأمهات والأخوة والأخوات والزوجات والأبناء المولعة تشهد لهم بذلك أعينهم التي لم يجف دمعها ولم تعرف طعم النوم الهنيء طوال تلك السنين الممزوجة بالشوق والحنين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.