شعار قسم مدونات

صديقي لا تأكل نفسك!

blogs قلق

في كتاب فنّ الحرب يصلُ بنا الكاتب "سن تزو" إلى نتيجة مهمة ألا وهي: "المحاربون المنتصرون يفوزون أولًا ثم يتوجهون إلى الحرب في حين أنّ المحاربين المنهزمين يذهبون للحرب أولًا ثم يسعون بعد ذلك للانتصار". يأخذنا "تزو" في هذه الجملة إلى مُلخص حياتنا الذي نعيش لأجله، نحن نعيش لكي ننتصر على أنفسنا التي نُحاربها دومًا بالقلق، بضغوطات الحياة، نُحاصرها بظروفنا، بِنا، بجميع الخطط الشريرة التي تأكل عقولنا أو الخطط الحسنة التي لم نستطع أن نقفز على إحدى حجارتها بعد.

نُحاصر تلك العضلة المسكينة التي تقع شمال صدرنا، ونجعل تلافيف عقلنا تتآكل، تتآكل تدريجيًا ومن ثم تتآكل حتى نصل لمرحلة لا نستطيع خلالها حتى أن نفرّغ هذا الأرق، القلق، الحُزن. نُحارب أنفسنا ولا نُحارب أعداؤنا وهنا يجب أن ننظر حولنا لنرى تمامًا ما تفعله استراتيجية خصمنا فينا وهنا تستحضرني مقولة وليام جيمس مؤسس علم النفس التطبيقي: "إن الله يغفر لنا أخطاءنا لكن جهازنا العصبي لا يغفرها لنا أبدًا". وحينما تأملتُ فيها وجدُت أن وصف عبد الوهاب مطاوع للقلق وهموم الحياة بأنه "يجعلنا نأكل أنفسنا" مطابق تمامًا لما قاله وليام جيمس ولو اعتبرنا أن هذه مقولات فقط، دّعوني استشهد بأحداثٍ حقيقية، تجارب حياتية من واقعنا يأكُلنا فيها القلق ونحن أسيادُه، يتحكّم بنا ونجعله سيدّنا في قرنٍ انتهى فيه دور السيد والرّق!

القفل رقم ١

undefined

شابٌ في مقتبل عمره، عليه أن ينهي تعليمه الجامعي، أن يعمل مباشرة لكي يستطيع أن يؤسس نفسه، بيت، مهر لشريكته، سيارة، تطور وظيفي وغيرها.. أعرف شبابًا قضوا في غربةٍ يأكلون أنفسهم، في غرفٍ ينام فيها ثمانية على الأقل، يأكلون ويشربون بأقل ثمن ممكن حتى يستطيعون الادخار والتصدّق على عائلاتهم وفي نفس الوقت يقتلهم القلق، تأكلهم أنفسهم ليخرجوا من مأزق حياتي إلى آخر دون جدوى!

تراهم لديهم الكثير من الخطط المؤجلة، الفرح المؤجل، الترف المؤجل الذي يبنونه وهم بعيدون عنه، لن ينالون مجدهم إلا به، بعد فترةٍ طويلة يقضونها هكذا، يأكلهم القلق حتى يمسكون أحلامهم فتمسك الأيام بزمامها على قبضة ظهورهم وتكسرهم بما يأكلُهم.

القفل رقم ٢
فتاةٌ عشرينية يلاحقها المجتمع بأسئلة غريبة إذا تأخرّ تخرجها "متى ستتخرجين"، ولا تجد على ألسنتهم إلا كلمة "إن شا لله بنفرح فيكِ" شعب آخر همّه أن تفرح هذه الفتاة يريد أن يفرح هو ومصطلح الفرح هُنا مربوطٌ بالارتباط كما تُعقد الخيل نواصيها، حين ترتبط "تخطب" متى ستتزوجين؟، في حين تزوجت "متى ستكونين أُمًا؟" وإذا قالت لهم بأن الوقت الحالي ليس في خطتها أن يكون لديها طفل لترتيبٍ بينها وبين زوجها تُصبح في تصنيفهم "كافرة للنعمة" التي لم تأتِ بعد! أرفض وبشدّة تصنيف الأنثى أو عقدها بعلاقة / ارتباط وكأنه آخر إنجاز في حياتها أو بالأخرى "الإنجاز الوحيد" الذي يُحسب لها!

كسر القلق لا يبدأ إلا بنا، من خلال تحويل سلوكنا لسلوك المحارب المنتصر، المحارب الشجاع الذي لا يقبل إلا الفوز قبل أن يقضي عليه قلقه، المحارب الذي لا تُكسر إرادته قبل أن يكسر قلقه!

أرفض وبشدّة عين هذه المجتمع التي تجعل الإناث في هذا العُمر يبحثون فقط عن الارتباط المُقدّس دون أن يفهمون من التزاماته ومسؤولياته شيئًا فقط لأن المجتمع يأكلهم فيأكلون أنفسهم من تلك النظرات الثاقبة وأتذكر في إحدى المرّات قالت لي إحدى الإناث: "ادعي لي بالزوج الصالح عاجلًا غير آجل" وهي فقط لم تتجاوز عقدها الثاني، كُل هذا من العيون التي تلاحقها ولا أجدُ ضيرًا في الزواج الحقيقي الذي تُفهم التزاماته مهما كان العُمر، الفارق، فهي برأيي مجرّد شكلياتٍ لا أكثر يعيش بها الإنسان وهي لا تُعاش به، لكنني أرفض أن يأكل القلق هذه الفئة الكبيرة من المجتمع إلى الحد الذي ترضى فيه بنصيبها المشؤوم الذي يأتِ على غفلة دون دراسة مُحكمة لإغلاق هذه العين.

القفل رقم ٣
التطور الذي جرى في حياتنا جعل وجهات نظرنا مختلفة، تخيلّوا نحن نأكل أنفسنا حين نجعلها لا تُعارض ما يُخالف مبادئنا، معتقداتنا، أفكارنا الكثيرة الممتلئة منّا التي تجعلنا "نحن" لا أحدٍ آخر بصمتنا، هويتنا!

مرحلة الكسر
كسر القلق لا يبدأ إلا بنا، من خلال تحويل سلوكنا لسلوك المحارب المنتصر، المحارب الشجاع الذي لا يقبل إلا الفوز قبل أن يقضي عليه قلقه، المحارب الذي لا تُكسر إرادته قبل أن يكسر قلقه! مرحلة الكسر تبدأ منك حينما تدرس خرائط نفسك التائهة وتجد غُربتك لتوطنّ نفسك منفىً لها، تبدأ حينما تفتح عيونك على جميع الأقفال التي تكسرك لتجهزّ خطتك البديلة فتكسرُها أنت، حينما تبحث في خبايا نفسك فتجدها لا تأكل نفسها، حينها يا صديقي ستنتصر، حينها فقط لن تأكل نفسك!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.