شعار قسم مدونات

فلورنتينو بيريز.. الطريقة الخاصة في الـ"كوبي باست"

مدونات - فلونتينو بيريز

حينما كان العالم يشيد بغوارديولا وثورته مع برشلونة، وبينما كان بيب وكتيبته يحصدان من المديح على موسم، ما لم ينله فريق طيلة تاريخه، كانت جماهير مدريد تتحاشى الدخول في مقارنة مع البارسا، فالرقم 6 لازال مطبوعا على رقبة كل مدريدي، في عام كُتب للريال فيه أن يكون شاهدا على سداسية البيرنابيو، وبعدها بشهور سداسية الألقاب التاريخية للبلاوغرانا .

مدريد كلها كانت تغلى في ما عدا رجل واحد، أخذ كل أوراق الإنجاز البرشلوني، وبدأ يدرسها، محاولا فهم طريقة إسقاط كتلونيا، لقد كان كمن يحاول صعق إيديسون بالكهرباء، أو توجيه مسدس محشو إلى رأس صامويل كولت، أو ربما إحاطة نوبل بأطوان من الديناميت، وتفجيرها.. عن بعد بطبيعة الحال. بين أوراق برسا بيب ومدريد الغالاكتيكوس، كان فلورنتينو بيريز يبحث عن همزة الوصل، والطريقة المثلى للمزج بين المشروعين.

الفترة الأولى: تيبيكال بزنس مان
عند توليه رئاسة النادي كان تفكيره منصبا على الناحية الاقتصادية من المشروع، فجلب أسماء بإمكانها جذب العلامات التجارية و عقود الرعاية، كان جليا أن بيريز رجل اقتصادي بالفطرة، فجلب النجوم دون التفكير في حاجة النادي إليهم، ليكون فريقا متناقضا في ذاته، بكتيبة هجومية لا تضاهى ودفاع هش لا يصلح لتمثل ريال مدريد .

لتكون نتيجة الصرف غير الممنهج التعاقد مع لاعبين لا يصلحون لتمثيل الملكي كسامويل، وودغيت وغرافيسن في صفقات كلفت الريال قرابة الـ 50 مليون يورو، مبلغ يقترب من ضعف المبلغ الذي دفعه البارسا للتعاقد مع رونالديونيو. إضافة إلى التخبط في التعاقدات الريال كان رمزا للتفريط في لاعبين لم يكن بيريز يقدر قيمتهم، وعلى رأسهم ماكيليلي. وكعادة الأنظمة المستبدة، كان لابد من شماعة لتعليق الفشل عليها، فتناوب على تدريب الملكي 5 مدربين في عامين. لتثور الجماهير على بيريز بعد أن استنفد كل الأوراق الممكنة، ويقرر الاستقالة.

 فلونتينو بيريز رئيس ريال مدرييد  (غيتي إيميجز)
 فلونتينو بيريز رئيس ريال مدرييد  (غيتي إيميجز)

الفترة الثانية: مشروع.. بالتدريج
بعد رحيله استغل بيريز الفرصة ليراجع حساباته، لكن أكثر أفكار ابن مدريد تطرفا لم تكن لتوحلي له بأخذ مشروع البارسا وتطبيقه على الملكي . قبل عودته إلى منصب الرئيس كان برشلونة يهيمن على كل البطولات المحلية والقارية، في حين كانت الفضائح تعصف بالريال ليستسلم رامون كالديرون لضغط الجماهير ويستقيل بعد فضيحة الجمعية العمومية 2008.

لدى عودته كان واضحا أن أمرا ما تغير بخصوصه فالرجل بات يريد لريال مدريد أن يكون ذا فلسفة لعب محددة، فجلب التشيلي مانويل بيليغريني، اسم قد لا يكون لامعا، لكنه من وضع أسس الفريق الذي نشاهده الآن، تطبيق محكم لخطة 4-5-1، رغم عدم قدرته على فك عقدة دور الـ 16 من دوري الأبطال. ولأن التخلي عن العادات القديمة لا يأتي دفعة واحدة، تعاقد بيريز مع كوكبة من النجوم يتقدمهم البرتغالي رونالدو والذي سيثبت فيما بعد أنه يستحق كل قرش دفع فيه. بالنظر إلى الأرقام ريال مدريد لم يكن سيئا، ربما أصدق ما قيل في بلغريني هو أن "مستوى بارسا بيب هو ما أظهره بهذا السوء" فالريال لعب 48 مباراة فاز 36 مباراة، تعادل 5، خسر 7، سجل 119 هدفا، وتلقى 48 هدف.

بعد وضع بيلغريني لخطة لعب بقيت عقدة دور الـ 16 تلازم الملكي، فتم جلب مورينيو، ورغم مشاكله وخلافاته مع الإعلام إلا أنه نجح في تحقيق أمرين مهمين، الأول هو التتويج بالدوري على حساب بارسا بيب وعلى ملعب الكامب نو، فيما سيكون لاحقا بداية النهاية لعصر البارسا الذهبي، والثاني هو فك عقدة دور الـ 16 والوصول إلى نصف نهائي دوري الأبطال لثلاث مواسم على التولي، ولأن له ما يخص به، فقد اندلعت الخلافات في غرف الملابس، ليرحل المو إلى تشيلسي.

زيدان أظهر وجها بيريز نفسه لم يتوقعه، الصرامة والعمل الجاد بالإضافة إلى كسب احترام اللاعبين، لدرجة أن يجلس أبرز نجوم الفريق دون أن يعترض، وهو الأمر الذي لم يكن مطروحا في فترات ما قبل زيدان.
زيدان أظهر وجها بيريز نفسه لم يتوقعه، الصرامة والعمل الجاد بالإضافة إلى كسب احترام اللاعبين، لدرجة أن يجلس أبرز نجوم الفريق دون أن يعترض، وهو الأمر الذي لم يكن مطروحا في فترات ما قبل زيدان.

تعاقد ريال مدريد بعدها مع انشيلوتي، المدرب الذي أحل السلام في غرف تبديل الملابس، و الأهم من ذلك، فقد كان الرجل الذي أخضع العاشرة !فمنذ تتويجه مع زيدان عام 2002 بتاسع القاب الشامبيونز قضى ريال مدريد 12عاما يطارد اللقب، لينجح انشيلوتي في تحقيقه، ولأن السيناريوهات المتوقعة تصيب بيريز بالملل، فقد طرد بطل العاشرة، ليأتي بينيتيز في خيار ربما بيريز نفسه لا يستطيع تبريره .ربما كان الدور الذي لعبه بينيتيز هو كسب الوقت لزيدان، الذي كان خلال هذه الفترات يجوب العالم بحثا عن المعرفة، فتارة يجلس قرب مورينيو، وأخرى يحل ضيفا على بيلسا وغوارديولا، بعدما تعلم من انشيلوتي فن إدارة غرف الملابس . فكانت النتيجة 5أعوام من الخبرة، قبل ان يعينه بيريز للاشراف على الملكي بعد إقالة بينيتيز .

زيدان أظهر وجها بيريز نفسه لم يتوقعه، الصرامة والعمل الجاد بالإضافة إلى كسب احترام اللاعبين، لدرجة أن يجلس أبرز نجوم الفريق دون أن يعترض، وهو الأمر الذي لم يكن مطروحا في فترات ما قبل زيدان، ليعم السلام الداخلي البيت الأبيض وتبدأ نتائجه تظهر، بتحقيق دوري الأبطال موسمين متتاليين، وكسب زيدان 7 بطولات في 18 شهرا.

كوبي باست.. على الطريقة البيريزية

هل يخدم رونالدو ريال مدريد لتحقيق الألقاب، أم ان الملكي هو من يقدم الكرة الذهبية لرونالدو على طبق من ذهب؟(أنشيلوتي ورونالدو)
هل يخدم رونالدو ريال مدريد لتحقيق الألقاب، أم ان الملكي هو من يقدم الكرة الذهبية لرونالدو على طبق من ذهب؟(أنشيلوتي ورونالدو)

برشلونة كان فريقا بأكاديمية قادرة على مد الفريق الأول بلاعبين مميزين، وبإضافة النواقص من السوق، كان الفريق قادرا على تكوين جيل اكتسح العالم، في مدريد كان العكس، مجموعة من النجوم تذهب فيأتي آخرون دون التفكير في تغيير السيستم إذا ما قدِم لاعب بمواصفات مختلفة، فأتى إيسكو ليلعب دور أوزيل، وبيل ليحل محل ديماريا، وكروس ليكون الونسو. فكر بيريز في كيفية تغيير هذا الأمر، فأوكل لزيدان مهمة تدريب الفريق الثاني، ليؤهل اللاعبين ويكون قادرا على الاستعانة بهم، وبدأ الحد من التعاقدات.

الصبر على كاسميرو، في الظهير الأيمن كارفاخال، وفي الأيسر البدء بتأهيل لاعبين لخلافة مارسيلو، في الوسط إيسكو، فاسكيز وأسينسيو وخيسي على الأطراف، موراتا ودياز في الهجوم، حتى لو تم الاستغناء عن بعضهم كان التحول من فريق الرجل الواحد، إلى كتلة واحدة واضحا، يمكن لفاسكيز أن يعوض بنزيما، أسينسيو يحل محل بيل، وحتى لو غاب رونالدو، الجماعية هي الحل، ليضع زيدان نقطة نهاية لسؤال ماذا سيفعلون بدون رونالدو؟ ويتحول إلى: هل يخدم رونالدو ريال مدريد لتحقيق الألقاب، أم ان الملكي هو من يقدم الكرة الذهبية لرونالدو على طبق من ذهب؟

يقول غوارديولا: "الأفكار ملك للعالم كله، أنا سرقت أكبر كم من الأفكار، بداية بكرويف، مرورا بساكي ومينوتي وكابيلو وبييلسا، خوانما ليلو". يعني غوارديولا بأنه سرق ومزج فابتكر، وهو ما قام به بيريز. فبالنظر إلى ريال مدريد الآن، تجده فريقا بمدرب ذو شخصية فذة، مرشح رئيسي للفوز بأي بطولة ينافس عليها، مع كتيبة من الشباب أضافت للنادي حيوية وأمنت التحول بين الأجيال تدريجيا. لتبقى جزئية واحدة من المشروع الحلم تمثلت في استمرار بيريز حتى عام 2022، بعد فوزه بالتزكية لأن لا أحد بإمكانه أن يضاهي مشروع بيريز.

بعد حصده لعدد من الألقاب، وتحقيق حلم "أي مدريدي" بمشاهدة ترسانة من النجوم، مع فريق شاب يضمن استمرار عجلة التطور، قد تفكر جماهير ريال مدريد في مكافأة رئيسه، فاسم سانتياغو بيرنابيو صمد لأزيد من 60 عاما، ربما حان الوقت لتغييره، وقد يكون فلورنتينو بيريز اسما ملائما، ربما أيضا يكون في تغيير الاسم نوع من الديمقراطية فمن الرئيس الذي يعمر إلى الأبد؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.