شعار قسم مدونات

"كنتُ فى فانكوفر".. نموذج لإيجابية المرأة المسلمة فى الغرب

blogs- الحجاب

الإقامة في الغرب تجعلك تبحث عمن يشبهك، عمن يواجه نفس المواقف التي تواجهها، كيف تربى أولادك وتحافظ على هويتهم في بيئة ثقافية مغايرة، كيف تعّلم أبناء المسلمين وتجذبهم إليك، كيف تتعامل مع الآخر الذي لا يعرفك ويخاف منك أو يلقى عليك التهم جزافا، كيف تكون قائدا للشباب الصغار الذين يفتقدون الموجه والقدوة الصحيحة؟ كيف تدعو غير المسلمين وكيف تحافظ أنت وغيرك من المسلمين على استقامتك وتبقى ثابتا معتصما بحبل دينك؟ كيف وكيف وكيف….عشرات أو مئات الأسئلة..

تبحث هنا وهناك عن التجارب السابقة والاستشارات المشابهة لعلك تجد ما يروى ظمأك ويضعك على الطريق الصحيح. ولقد طالما تمنيتُ لو توفرت في البلاد غير الإسلامية مراجع ودراسات شاملة تكون أساسا يلتجأ إليه كل من وفد جديدا إلى تلك الديار فلا يبدأ طريقه من الصفر ويقع في نفس ما وقع فيه غيره من أخطاء وتحديات كان من الممكن تجنبها لو اهتدى إلى خبرات من سبقوه.

(كنتُ في فانكوفر) هو عنوان صدر خلال العام الماضي للصديقة السعودية: أبرار البار التي عاشت قرابة العشر سنوات في بلد غربي وفى مدينة تعتبر من أجمل مدن العالم وهى فانكوفر بكندا، ففهمت تلك القضية تماما ولمست حاجتها منذ البداية لتجارب من سبقوها وخبراتهم والتي يمكنها أن تأخذ منها وتدع على حسب ما يناسبها، ومن هنا بدأ تدوينها خلال معيشتها هناك عما تلاقيه من مواقف ودروس وخبرات حياتية ودعوية.

استمرت أبرار في تدوين تجاربها حتى مغادرتها لكندا وعودتها إلى بلادها، ولكن الإيجابية التي دفعتها لتدوين تجاربها المتميزة دفعتها كذلك لأن تجمعها في كتاب يقرأه ويستفيد به كل من يقيم بالغرب
استمرت أبرار في تدوين تجاربها حتى مغادرتها لكندا وعودتها إلى بلادها، ولكن الإيجابية التي دفعتها لتدوين تجاربها المتميزة دفعتها كذلك لأن تجمعها في كتاب يقرأه ويستفيد به كل من يقيم بالغرب
 

كانت بدايتي مع تلك التدوينات هو حكايتها عن موقف تتعرض له تقريبا معظم العائلات المسلمة في الغرب والتي يدرس أولادها في المدارس العامة، إنه فكرة الاحتفال بعيد ميلاد الطفل مع زملائه وأصدقائه داخل فصله في المدرسة، لقد توقعتْ أن ابنتها قد تود لو تحظى بهذا الاحتفال ككل الأطفال في فصلها لكن الأم الواعية كان لها رأى آخر، لقد استطاعت بتفكيرها الإيجابي أن تجعل الاحتفال خاصا ومميزا وكذلك طبيعة الاحتفال الذى تعّرف الأطفال فيه على ثقافة جديدة وهوية مختلفة، تقول أبرار عن ذلك الموقف في مقالتها (عيد ميلاد ماريا): 

(قلت في نفسي: إن كنت سأقيم (حفلة) وأرعى تحضيراً لها وأنا التي أودُّ لو يباع الوقت في السوق لأسارع فأشتريه.. فلتكن هذه الحفلة على شيء يستحق وشيء مختلفٍ عما اعتاده الآخرون! هاتفت مدرستها وقلت لها لكوننا مسلمين قد ودعنا رمضانَ والعيدَ من أيام قلائل أرغب بأن آتي للاحتفال معكم بعيد ماريا؟

حملت أغراضي ودخلت فصلها وسلمت على مدرستها والتلاميذ، ووقفت بينهم أحدثهم أقول: إن ماريا فتاة مسلمة، والمسلمون حول العالم قد أنهوا صيام شهر رمضان واستقبلوا العيد وماريا صامت سبعة أيام فلتقولوا كلكم لها هذه العبارة وكتبتُها لهم على السبورة بخط كبير مع بعض الزينة.. أطفأنا الأنوار وصدحت تكبيراتِ العيد، وأطفأنا الأنوار ولما دخلت ماريا الفصل هتف لها الجميع : (Happy Eid) ماريا!

نستطيع أن نرى من خلال تجارب أبرار الثرية نموذج متميز لتفاعل المرأة المسلمة مع المجتمع الغربي، فلا انبهار بتفوق الغربي ولا شعور بالضعف والخوف بل توازن وعطاء متبادل

كان صوتها مميزاً، ولحظةً لا أنساها عندما عادت ماريا للفصل فرأتني! بالطبع كانت في غاية التأثر، أكملت أقول إن العيد عندنا رمز الفرح وفعل الأعمال المميزة؛ واليوم لدينا بعض الألعاب نلعبها معاً). أعجبنى معالجتها الموقف وحكاية التجربة كوني معرضة لمثله، ومن هنا صرت أنتظر كل تجربة تحكى عنها أبرار لأتعلم.

ولم تكن أبرار لتجد ما تحكى عنه لو مكثت في بيتها وانعزلت عن بيئتها ومجتمعها، لقد فهمت أن الإنسان لا يتعلم ولا تهديه الحياة دروسها لو لم يتحرك ويؤثر ويتأثر، ابتدأتْ من التواصل مع مدرسة ابنتها ومع مركز الحي ثم امتدت حركتها لتشمل أنشطة الجالية المسلمة هناك ثم التفاعل مع زملائها أثناء دراستها للغة الإنجليزية وللإرشاد الأسرى، كانت تجد في كل موقع فرصة ومجالا للتفاعل المثمر الذي تستطيع من خلاله اكتساب مهارة أو التقاط معنى وكذلك أداء مهمة وتبليغ رسالة تجد واجبا عليها إيصالها بأفضل الوسائل الممكنة.

نستطيع إذن أن نرى من خلال تجارب أبرار الثرية نموذج متميز لتفاعل المرأة المسلمة مع المجتمع الغربي، فلا انبهار بتفوق الغربي ولا شعور بالضعف والخوف بل توازن وعطاء متبادل ومحاولة للفهم واستخلاص الدروس التي تعين على مواجهة التحديات المختلفة. ولعل هناك الكثير مثلها من أصحاب التجارب المثمرة والمتنوعة المجالات في بلاد الغرب المختلفة، ولكنها تحتاج فقط لمن يظهرها ويعرفنا بها.

استمرت أبرار في تدوين تجاربها حتى مغادرتها لكندا وعودتها إلى بلادها، ولكن الإيجابية التي دفعتها لتدوين تجاربها المتميزة دفعتها كذلك لأن تجمعها في كتاب يقرأه ويستفيد به كل من يقيم بالغرب ويحتاج إلى بعض الدروس والتجارب المضيئة. ولم تكتفى أبرار بكتابها، بل حرصت على تشجيع غيرها من النساء في أكثر من دعوة على تدوين تجاربهم لتبقى ولينتفع بها ليس الأجيال الحالية فحسب، بل كل من يأتي في قابل الأيام فيسترشد هو وتنال هي أجر الصدقة الجارية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.