شعار قسم مدونات

صفقة حبيسة الأدراج

blogs - بنيامين نتنياهو
مع انتهاء الحرب الإسرائيلية الثالثة على قطاع غزة، بدأت المواقف وردات الفعل الإسرائيلية تتوالى حول العديد من الإخفاقات التي طالت أقوى مؤسسات الدولة وهي الجيش، وأبرز هذه الإخفاقات التي دارت حولها نقاشات مطوّلة وعميقة، كانت قضية الجنود المفقودين في غزة، والتي دخل العديد من الوسطاء محاولين استجرار معلومات حول وضع الجنود والثمن الذي يمكن دفعه ليستعيدهم الجيش الإسرائيلي.
على رأس من أُعلن عن فقده في قطاع غزة كان الجندي "آرون شاؤول" الذي أعلنت "كتائب القسام" الجناح العسكري لحركة حماس أسره يوم الأحد 20 يوليو/2014، في عملية نفذتها شرق حي التفاح بمدينة غزة، والذي حاولت الرقابة العسكرية للاحتلال منذ اللحظة الأولى للإعلان نفي الخبر وتكذيبه وعدم تداوله، إلا أن نشر القسام للرقم العسكري للجندي "شاؤول" أحرج المنظومة العسكرية والأمنية وجعلهم في حالة تخبط وإحراج أمام الجمهور الإسرائيلي مما اضطرهم للإعلان عنه كجندي قتيل وبعدها كمفقود، دون إدلاء أي معلومات أخرى، الأمر الذي دفع ذويه لمطالبة الحكومة بإعادة ابنها كما تم إرساله للقطاع.

وفي مساء اليوم الأول من أغسطس 2014 م، أعلنت كتائب القسام فقدان الاتصال بمجموعة قتالية تتبع لها أثناء خوضها اشتباك مسلح مع قوة صهيونية شرق رفح جنوب القطاع، وادّعى الاحتلال فقده لأحد جنوده في العملية، فيما أكد القسام ألا علم له بالأمر، مما زاد تخبط الاحتلال وعنجهيته وارتكب على إثرها مجزرة كبيرة خلّفت عشرات الشهداء والجرحى.

مواقف متتالية أعقبت انتهاء الحرب وما إن مرت الأيام حتى بدأت تتكشف الكثير من الأوراق والخبايا التي عمل الاحتلال على كتمها وإخفائها عن الجمهور الصهيوني بهدف المحافظة على سمعة جيشه وقوته في أذهان شعبه، إلا أن ذلك قوبل بتحريك المقاومة للملف بين كل وقتٍ وحين.

الرأي العام الإسرائيلي يقع في هذه الأيام تحت وطأة قضايا الفساد السياسي المستشرية في أروقة الساسة الإسرائيليين، مما يعني أن الأولوية لإنجاز هكذا ملف بهذا الحجم بعيد عن أولويات السياسيين

الآلة الإعلامية التي يمتلكها القسام استطاعت دحض ما حاول الاحتلال تأكيده مرارا لجمهوره حول مصير الجنود بالتأكيد الدائم أنهم قتلى، في محاولة منه لمراوغة وتضليل الرأي العام ليؤكد روايته بأن الجنود المفقودين هم قتلى في الحرب الأخيرة، الأمر الذي دفع ذويهم لبدء إجراءات وفعاليات احتجاجية للمطالبة بإعادة أبنائهم وفتح تحقيق في اختفائهم، إلا أنهم لم يجدوا استجابة حكومية أو دولية لمطالبهم وما زالوا مستمرين في مطالبهم حتى الوقت الحالي.

في ظل هذه الأحداث والتطورات ترفض حركة "حماس" و "كتائب القسام" ، تقديم أي معلومات حول الجنود الأسرى لديها، معلّلةً ذلك باشتراط إفراج الاحتلال الإسرائيلي عن عشرات الأسرى المحررين الذين أُفرج عنهم ضمن صفقة تبادل الجندي "جلعاد شاليط" ، وأعادت إسرائيل اعتقالهم مجددا قبل بدء التحدث والنقاش في ملف الصفقة الجديدة، فيما كشف القسام أن قيادة الكتائب تلقت مؤخرا عروضاً إسرائيلية مختلفة عبر وسطاء إقليميين ودوليين لإجراء صفقة لتبادل أسرى جديدة مقابل جنودها الأسرى في غزة، لكن الأعداد والصيغة المقترحة لا ترقى إلى الحد الأدنى من مطالب المقاومة.

حاولت أطراف دولية وعربية عديدة تحريك ملف الجنود بين القسام وإسرائيل، لكنّي أرى أن تحريك المياه الراكدة في هذا الملف كان من خلال الرسائل العديدة التي أرسلتها المقاومة بشكلٍ خاص، وكان أبرزها خطاب الناطق باسم القسام "أبو عبيدة" الذي ظهر وخلفه صور لأربعة جنود يُعتقد بأنهم أسرى لديه وعُرف من بينهم الجنديين الإسرائيليين "آرون شاؤول – هدار جولدن" ، بالإضافة إلى شريط الفيديو الذي تم نشره عبر الموقع الرسمي للقسام في ذكرى ميلاد الجندي "شاؤول" ويتضمن رسائل توحي بأنه بات من المؤكد أن يكون الجندي على قيد الحياة مع مجموعة من الجنود الذي يخفي القسام عددهم وتفاصيلهم الكاملة، والعديد من الرسائل التي تداولتها الوسائل الإعلامية العربية والعبرية.

يبقى أن نذكر هنا بأن عواملَ أخرى تعتبر مركزية في إنجاز الصفقة ومن أهمها عوائل وذوي الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية الذي شارف عددهم على 7 آلاف أسير ويقضون حياةً وظروفا صعبة وسط الإجراءات القمعية التي تُمارس عليهم من قبل مصلحة السجون.

ناهيك أن الرأي العام الإسرائيلي يقع في هذه الأيام تحت وطأة قضايا الفساد السياسي المستشرية في أروقة الساسة الإسرائيليين، مما يعني أن الأولوية لإنجاز هكذا ملف بهذا الحجم بعيد عن أولويات السياسيين الذين يدافعون عن عروشهم في الوقت الحاضر، وبذلك تكون الصفقة في الوقت الراهن أصحبت كتاباً مؤجلاً وحُكم عليها البقاء حبيسة الأدراج.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.