شعار قسم مدونات

وجهاً للدعاية المضللة

blogs-TV
"الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيان" هذه المقولة تنتمي للكاتب والصحفي الإنجليزي "روديارد كيبلينغ" وتعود إلى نهاية القرن التاسع عشر. هل ظلت هكذا حتى الحاضر؟ لم تظل فحسب بل انتشر هذا المفهوم على القارتين انتشاراً سريعاً خاصة في الغرب الذي شهد لمرة أخرى صدام الثقافات والمعتقدات المختلفة عندما تعرضت الدول الغربية لأزمة اللاجئين فاشتدت شعبية الحركات المتطرفة التي تبث الدعاية الكاذبة وتلعب على عواطف المواطنين. المعروفة لكم بالبيانات لزعماء الحركات المتطرفة الذين يصفون المسلمين إرهابيين ومجرمين و لهذه الدعاية أي قرار ترامب بمنع دخول المسلمين للولايات المتحدة، فشدة الإثارة منذ إصداره أيضاً معروفة.

           

من أين صارت تسود لغة الكراهية المضادة للمجتمعات الشرقية؟ في حقيقة الأمر أصول هذه القضية ليست مرتبطة بالأحداث الأخيرة في الشرق الأوسط إنما أساسها العملية الإرهابية ل 9 سبتمبر/ أيلول في نيويورك بعدما بدأ استبعاد الغرب عن الشرق بشكل ملحوظ ورسم الصورة النمطية للمسلمين، الذي ضلل الناس عن الحقيقة وزرع الخوف ضمن المجتمعات الغربية. السبب؟ 

  

الإعلام الغربي هو الذي تولى "فضل السبق" ولعب دوراً حاسماً في هذا الشأن واخضع العقول فنرى كيف ما زالت تملأ دعايته المراودة آفاق الغرب بحيث تتباعد الشعوب عن بعدها البعد تدريجياً. وفي ظل المسيرات الجارية في الشرق الأوسط ظهرت أحزاب اليمين المتطرفة قبل قليل وانطوت إلى الحرب ضد الإسلام والآن يسهمون في صياغة الصورة النمطية الخاطئة للإسلام وأهله وتتحدث بلغة الكراهية أمام المواطنين. من المهم أن الإعلام لا يظهر أن هذه الأحزاب والحركات متطرفة وتستهدف إلى إثارة الحشود لطرد المغتربين من أوطانهم بل تروي أن أولئك مجموعات تمثل الاتجاه القومي.

لا شك أن الشخصيات المعروفة يملكون نفوذاً وثقة ليست في مجتمعاتهم فحسب بل أحياناً في العالم كله، فالرسالة التى نريد إيصالها إلى العموم ستؤثر بشكل أكبر إذا نشرت من قبلهم أيضاً
لا شك أن الشخصيات المعروفة يملكون نفوذاً وثقة ليست في مجتمعاتهم فحسب بل أحياناً في العالم كله، فالرسالة التى نريد إيصالها إلى العموم ستؤثر بشكل أكبر إذا نشرت من قبلهم أيضاً

إضافة إلى هذا ينقل الإعلاميون كل خبر يتعلق بالإرهاب أو العنف وإراقة الدماء كأن الظلم يساوي مسلمين. بالطبع المشاهد يتأثر بهذه الصورة النمطية ويثق بها ثم يبدأ يشعر بالخوف والكره إزاء الناس المسالمين الذين ينفصلون من القتل والإرهاب فهكذا تستقر الأفكار المتطرفة في المجتمعات الغربية. 

       

من هنا تأتي الفجوة العميقة في الدول وتمهد الطريق للفاشية التي تشكل أكثر خطورة من المسلمين. من الجدير بالذكر أن الغرب يسير إلى الفاشية رويداً رويداً مما يتجسد في إكثار الجرائم المرتبطة بالكراهية بحيث يتضايق المدنيون لا صلة لهم بما يرتكبون الجماعات ذات قناع الإسلام. على سبيل المثال تخبر الوسائل الإخبارية أن نسبة الجرائم ضد المسلمين ازدادت منذ استفتاء "بريكسيت" في المملكة المتحدة بأكثر من 40 بالمائة فيؤكد مجلس العلاقات الأمريكية-الإسلامية نسبة جرائم الكراهية في الولايات المتحدة ارتفعت ب 91 بالمائة في النصف الأول عام 2017. وتكشف هذه المؤشرات أن قوة الدعاية وسعتها جسيمة. وفوق هذا كله تثبت هذه الزيادة السريعة أن دعاية الإسلام من قبل المنظمات الإرهابية ناجحة أيضاً وأن لها آثار ضخمة في تصرفات الأفراد. 

      

في هذه الحالة كلنا نتفق على أن لغة الكراهية ستؤدي البشرية إلى تفرق لكن يُطرح السؤال المنطقي: كيف نواجه هذه القضية؟ ما المتطلبات التي من الضروري أن ننجزها؟ من الذي ينبغي أن يشارك في حل؟ في بادئ الأمر لا مكان للإسلاموفوبيا في القرن الحادي والعشرين لأن العالم المعاصر بحاجة إلى الحوار والتعاون بين الشعوب حتى وإن تفاوتوا بشكل بالغ. ولكن لماذا؟ هناك كثير من التحديات التي تستوجب حسمها ومن غير التواصل سيستحيل علينا معالجتها. أما مواجهة الإسلاموفوبيا فكل شخص له مسؤولية ويقدر على أن يسهم في على قدر إمكانه. لهذا أقدم لكم عدة خطوات ابتدائية ضد هذه الدعاية.

      

المستشرقون لهم المسؤولية في تغير الصورة النمطية  للمسلمين عند الغرب  من خلال معرفتهم وأعمالهم العلمية ومناقشة هذه الشؤون بتفاصيل على درجات مختلفة للمجتمع بشكل عام

1- زيادة نشاط السياسيين والإعلاميين

أذكر هؤلاء على المرتبة الأولى لأنهم كثيراً ما يظهرون أمام الكاميرا ولديهم تواصل دائم مع عامة الناس ويؤثرون فيهم. لذا هم قادرون على مصادمة دعاية الكراهية عن طريق الخوض في مناظرات مع مؤيدي الأفكار المتطرفة ومناقشات في هذا الموضوع وتقديم حجج مقنعة. المثال الجيد بالنسبة لي هو "مهدي حسن" الإعلامي البريطاني ومقدم برنامج (upfront) للجزيرة الذي يلقي خطابات ويجادل في البلدان المختلفة حول الإسلام والمسلمين وظاهرة الإسلاموفوبيا.

      
2- فعاليات التوعية 

فضلاً عن تورط السياسيين والإعلاميين لا بد من الاعتراف بدور الأنشطة التعليمية والتطوعية العامة مثل المحاضرات العلنية والبرامج التدريبية والحملات التي ستتميز بإقبالها الكبير خصوصاً من قبل الشباب. بعدما أثارت الهجومات الإرهابية في باريس، كل العالم قرر أساتذة جامعتي تنظيم سلسلة المحاضرات حول الإسلام والإرهاب التي شهدت حضوراً ملحوظاً.

       
3- تورط الشخصيات الشهيرة

لا شك أن الشخصيات المعروفة يملكون نفوذاً وثقة ليست في مجتمعاتهم فحسب بل أحياناً في العالم كله فالرسالة التي نريد إيصالها إلى العموم ستؤثر بشكل أكبر إذا نُشرت من قبلهم أيضاً. هكذا حدثت حينما استدعت الحكومة الأمريكية "إلويس بريسلي" إلى الجيش من أجل زيادة إقبال المواطنين وبعدما انتشر هذا الخبر بدأ الشباب الأمريكيون ينضمون إلى الجيش مثله.

        
4-  دور المستشرقين

المستشرقون لهم المسؤولية في هذا الشأن أيضاً ويمكنهم قيام بدورهم في مواجهة الدعاية ضد مسلمين من خلال معرفتهم وأعمالهم العلمية ومناقشة هذه الشؤون بتفاصيل على درجات مختلفة للمجتمع بشكل عام. من البسيط أنهم سيتمتعون بثقة بين المدنيين لأنهم يبحثون في الشرق الأوسط من كل ناحية طول حياتهم.

         
5-  الصوت من العالم الإسلامي

في ظل التباعد بين الشرق والغرب تنشأ ضرورة لبدء الحوار وتقديم المبادرات بحيث تبلغ الرسالة أن الإسلام ليست دين العنف أو القتل أو المطاردة، ففي رأيي يجب على الحكماء ورجال الدين من الشرق الأوسط أن يستغلوا الوسائل الإعلامية والمنتديات المختلفة كي يقنعوا نظراءهم الغربيين في سلم الإسلام. إن الحل لهذه القضية تعتمد على جهودنا على جهود المدنيين مهما كانت خلفيتهم ومناصبهم. كما يقول المثال العربي "الاتحاد قوة" ففي هذه الحال لا شيء يمكنه ممانعة بوصول إلى الهدف. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.