شعار قسم مدونات

المدرسة كفيلة لقتل روح الإبداع

blogs--
ما إن أصبح عمر الطفل 6 سنوات حتى يقوم أهله بإرساله للمدرسة لكي يتعلم على حد قولهم، فتبدأ رحلة المعاناة لدى الطفل ويكون الروتين اليومي هو سيد الموقف حيث تذهب صباحا لتلك المدارس الكئيبة لتعود في الظهيرة محملا بخطاب الفشل الذي قد سمعته من معلميك وتحمل الكتب وتحمل هم اليوم القادم كيف سيكون بدون أي فائدة تذكر، ثم بعد أن تتقدم بالعمر وتنهي المرحلة الثانوية ستسأل نفسك: وما الذي جنيته من تلك السنوات الدراسية؟ ويؤسفني القول أنك لن تجني ولكن غيرك قد جنى!

نعم الذين جنوا من هده العملية التعليمية الطويلة هم أتباع الرأسمالية المتحكمة بالعالم والتي تملك المصانع الكبيرة، فلن يجدوا أصحاب هده المصانع غير أن يأتوا بالطفل في السادسة من عمره ليضعوه بين أربع جدران تفصله عن مستقبله الحقيقي الذي لا يكون بين هده الجدران السادمة لرؤيته المستقبلية، ثم يضعوه داخل هده الغرفة لمدة 8 ساعات ليكتب ما على السبورة بدون تحوير ويستمروا في دلك لمدة 12 عاماً، هذا الأمر كفيل بإخراج جيل المصانع الذي يتبع الخطوات بحذافيرها.

وبالطبع هناك عدة أسباب لوجود هدا النظام التعليمي لا يقتصر فقط على السبب الذي ذكرته سابقاً فهناك أيضا الحكومات التي تظن أن النظام التعليمي الموجود بدولها ناجح ولا تريد ان تغيره، فالتعليم لديهم ربما يقتصر على القراءة والكتابة لأنهم لا يزالون يعيشون في عصور الكتاتيب، ولاشك أن هده الحكومات مستفيدة من النظام التعليمي حيث أن مناهجهم تقدس الحاكم وتظهره على أنه الأب العطوف وصوره تملأ المدارس واسمه يكاد يذكر أكثر من اسم الله، فيكون هذا الجيل هو الجيل الذي سيدافع عن طغاته بكل ما أوتي من قوة كما كنا نرى والى الآن كيف أن هذه الشعوب المظلومة تدافع عن طغاتها وسجانيها ويصفوه بالقائد الحكيم، فأنا لا أستغرب من هذا الأمر أبدا لأن من شب على شيء شاب عليه؛ فهم ينشئون الأجيال مند طفولتهم على حب القائد و ذكر إنجازاته التي لا ترى بالعين المجرد.

التعليم بفنلندا يركز على المهارات أكثر من غيرها، فيهتمون بالفكر النقدي والإبداعي وطرح التساؤلات والفرضيات، ويركز على المهارات الفردية المميزة لكل طالب ليصبح طالب متميز وليس نسخة مكررة.

وإذا أردت معرفة درجة غباء هدا النظام التعليمي فلتنظر إلى كيفية تعليم مادة الرياضيات -التي تعتمد بشكل كبير على التفكير-، فغالبية المعلمين يرفقون لك خطوات الحل والتي يجب أن تتبعها بحذافيرها وإلا فقد يكون حلك خاطئا! ثم إذا دخلت كلية اللغة العربية لن تستفد من تلك النظريات الرياضية التي صدعت رأسك مثل تالس وفيثاغورس وغيرها، لتكتشف بعدها أنك قد أضعت عمرك في حصص الرياضيات، وقس على هذا بقية المواد الأخرى مثل الكيمياء والفيزياء والتربية القومية أو الوطنية وغيرها الكثير.. هذه هي مدارسنا التي بعد خلاصنا منها وتخرجنا أعطتنا تلك الشهادات الورقية التي لا تثبت أنك طالب ذكي ومثابر.. وإنما هي فقط شهادة الولاء!

نعم إنه النظام الغبي الذي جعل المدرسة مكان فقط للدروس المكتظة خلف بعضها لتحفظ ما يقوله معلمك من العلوم والتاريخ -المزور-، نظام يقتل فيك روح الابداع فلا يعطيك فرصة لتفكر أو حتى لتنمي مهارة التفكير وإنما فقط عليك السمع والطاعة لما يقولون.. فإذا ذهبنا إلى فنلندا، حيث تعد من أفضل الأنظمة التعليمية في العالم وتنسب نجاحها في كل القطاعات إلى نجاح النظام التعليمي لديها، حيث تنتج جيل ماهر وإبداعي، وهذا واضح لنا من خلال ما قالته وزيرة التعليم الفنلندية هناك كريستا كيورو بأن التعليم يحظى دائما بالأولوية ولا يخضع للسياسة ولا يهتم بتغيير المسار السياسي، لا يقتصر على مقاعد الدراسة فقط، فمعرفة الإنسان تزداد يوميا بالمواقف التي يمر بها، وحسب قولها: نحن نركز على تعليم الأطفال كيف يتعلمون لتصبح لديهم القدرة على التعلم من الحياة بشكل أكبر.

فبالتالي أصبح تركيز التعليم بفنلندا على المهارات أكثر من غيرها، فيهتمون بالفكر النقدي والإبداعي وطرح التساؤلات والفرضيات ويركز المعلمون هناك على المهارات الفردية المميزة لكل طالب ليصبح طالب متميز وليس نسخة مكررة، فهم يدركون أن كل طالب لديه موهبة تختلف عن الطالب الآخر لذلك يركز المعلمون هناك على تنمية هذه الموهبة في الطالب. وأيضا النظام هناك لا يتضمن الضغط النفسي المتمثل بالامتحانات النهائية في كل عام فلا يوجد لديهم امتحانات في التسع سنوات الأولى من التعليم.

لابد أن نعلم اليوم أننا إذا بقينا نسير بهذا النحو في النظام التعليمي فلن يكون لنا أي دور مستقبلي.
لابد أن نعلم اليوم أننا إذا بقينا نسير بهذا النحو في النظام التعليمي فلن يكون لنا أي دور مستقبلي.
 

النموذج الفنلندي في التعليم ناجح ولديه تفصيلات أخرى عن كيفية جعل الطالب يشعر براحة نفسية في المدرسة وكأنه في بيته وهذا أمر مهم ولكنه مفقود لدينا! بالمقابل نحن أيضا لدينا نماذج جديدة وناجحة مثل الذي قام به سليمان خان مؤسس أكاديمية خان، حيث أصبح لديه مقاطع فيديو لا تتجاوز مدتها عشر دقائق تشرح للطلاب حل المسائل الرياضية بطريقة سهلة وممتعة ويمكن للطالب إعادتها حتى ترسخ الفكرة. وفكرته لتطوير النظام التعليمي التي تقول أن مشاهدة الطالب أفضل من شرح الفكرة على الإنترنت وفي اليوم التالي يقوم الطالب بحل الواجبات مع وجود من يساعده. وسواء اختلفنا او اتفقنا مع فكرته فقد لاقت نجاحا كبيرا وانتشارا جيدا حيث لقي ثناء من بيل غيتس مؤسس مايكروسوفت.

نموذج آخر ناجح وهو "رون كلارك" الذي كان مدرسا ناجحا ولديه شعبية في المدرسة ثم قرر دخول تحدي إنجاح الفاشلين، فعندما ذهب للمدرسة في نيويورك اختار الطلاب أصحاب المستوى المتدني والذين كانوا من أسر فقيرة و أيضا لا يبالون بشأن الدراسة ليجعلهم فيما بعد بالصف الأعلى مستوى، اكتشف في إحدى الطالبات موهبة القيادة واكتشف في أحد أولاد الشوارع -الذي كان يجيد السرقة- موهبة الرسم، فشجعهم وساندهم واستطاع جعل الفاشل ناجح وكسب التحدي لينتج فيما بعد فيلم باسمه. وهناك الكثير من أمثال رون كلارك لربما نستطيع إيجادهم في مجتمعاتنا العربية ولكن روتين النظام التعليمي لا يتيح لهم الظهور.

لابد أن نعلم اليوم أننا إذا بقينا نسير بهذا النحو في النظام التعليمي فلن يكون لنا أي دور مستقبلي، فالشركات الكبرى اليوم مثل "شركة جوجل" لن تعد تهتم بمؤهلات المتقدم للوظيفة من شهادات جامعية وغيرها، بل تبحث عن من لديه مهارات التفكير وذلك لعلمها أن الإجابات المحفوظة في المدارس لا تجدي نفعا. وأيضا عليك أن تعلم بأن المصانع والشركات متجهة للتخلي عن خدماتك فور وجود البديل ألا وهو الجهاز الآلي "الروبوت" كما قال الرئيس الامريكي السابق أوباما بأن الشخص الذي يقوم بعمل يشبه أداء الروبوت سينتهي واستثنى من ذلك الأعمال الفنية التي تحتاج لمهارة لا يقدمها الروبوت. كما أن تلك الوظائف التي ستنقرض بسبب الذكاء الاصطناعي هي التي تحتاج مهارة عالية ولكنها روتينية، ربما البعض منا قد رأى كيف أن الأجهزة أخذت مكان بعض العمال وحتى دخلت على المجال الصحي لتأخذ مكان الصيدلي مثلا.. بعد كل هذا السرد يتوجب علينا أن نوقظ أنفسنا لنستطيع أن نحدد مكاننا في المستقبل ونطور تعليمنا.. فيكون الطالب العربي محورا للنجاح.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.