شعار قسم مدونات

الشباب الليبي.. بين الاستغلال ومتلازمة الوهم

مدونات - ليبيا

يقودنا الحديث عن الشباب إلى الخوض في قضايا ذات اهتمام كبير وبشكل موسع سواء كانت اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية، وإذا بحثنا عن معنى مصطلح شباب فسنجده يطلق على مرحلة عمرية هي ذروة القوة والحيوية والنشاط بين جميع مراحل العمر لدى البشر. ودائما ما تستغل هذه المرحلة لما لها من القوة والنشاط ولما تتمتع به من مميزات تختلف عن باقي المراحل العمرية ولتعويل الجميع عليها. هنا سأتحدث عن استغلال خطير لهذه الفئة التي فقدت بوصلة التوجه نحو أهدافها ونست دورها المهم في البيئة التي تعيش فيها "ليبيا".

لم يكن للشباب قبل الثورة أي دور ما عدا أولئك الذين ينتمون للفكر الأخضر وولاؤهم لجماهيرية العقيد، خاصة في غياب تام لجميع المؤسسات التي تُعنى بهذه الفئة والتي من المفترض أن تعمل على تطويرها والاهتمام بها. (المقصود هنا بالدور السياسي أو القيادي الذي يكون فيه الشاب قادراً على التغيير). جاءت ثورة فبراير في 2011 والتي كان يعول عليها في تغيير كثير من الأمور من بينها أمر الشباب، قام الشباب بالثورة وضحى منهم الكثير ما بين شهيد وجريح ومفقود، مات القذافي ووضعت الحرب أوزارها وبدأ العمل لأجل البناء الجديد للدولة.

كانت هذه الفئة تجهل طرق العمل السياسي ولم تكن تعرف حتى أبجديات السياسة وهذا شيء طبيعي في دولة غابت عنها الديمقراطية وكان فيها حكم الفرد هو المهيمن على كل شيء وكان الخوض قديما في مجال السياسة جريمة يعاقب عليها بالموت، هذا الجهل جعلهم عرضة للاستغلال والاستخدام لأجل مشاريع شخصية تخدم أجندات معينة ليست لصالحهم ولا لصالح الوطن.

متلازمة الوهم التي يعيشها أغلب الشباب الليبي لم تخرج لنا بأي مشروع شبابي استطاع أن يحدث تأثيرا فعليا، كلها مجرد تجمعات ولقاءات وصور على الفيسبوك، بعدها.. لا أثر حقيقي ولا نتائج ملموسة.

مع انتخابات المؤتمر الوطني العام سنة 2012 والتي تجرى فيها انتخابات لأول مرة بعد أن غابت عن ليبيا قرابة النصف قرن بدأت ترتسم معالم دولة جديدة بشعارات رنانة تستهدف الشباب وتستقطبهم للعمل السياسي ومع كل هذا التهافت لدمجهم واستقطابهم فشلوا -أي الشباب- أن يكونوا في الصفوف الأولى في الدولة وكانوا مجرّد وسيلة استخدمها من يفوقونهم مكرا ودهاءً وخبرة سياسية في أن يكونوا هم قيادات الدولة الجديدة، ومع كل الانتخابات تعود وتتكرر تلك الشعارات التي يزعم أصحابها أنها تخدم الشباب في حين أنها وسيلة لاستخدامهم كمعبر وصول لا أكثر.

|لم يكن استغلال الشباب سياسياً فقط بل كانوا أيضاً وقودا للحرب والقتل وأداة لصراعات مناطقية راح ضحيتها الكثير وسيكون لهذا الاستغلال المختلف عن سابقه ويلات عظيمة سيظهر آثرها على جيل الشباب المستقبلي، لقد كانت كلها محاولات لإقصائهم عن العملية السياسية وإبعادهم عن المشهد السياسي وترسيخ أن دورهم هو الحفاظ على الثورة ومكتسباتها مهما كلف الثمن حتى وإن كان موتهم في سبيل ذلك. الفتوى الدينية أيضا لم تسلم من استغلال الشباب ولم تنجح في أن تكون طرفا يرشدهم لدورهم الحقيقي وما يجب أن يكونوا عليه، لا ما يريده المتصدرون للفتوى منهم.

إن التهميش المتعمد في تحسين وتطوير كل فئات المجتمع الليبي وعلى مستوى جميع القطاعات كان كفيلا بحدوث كل هذه الأزمات التي تعاني منها ليبيا اليوم. لقد برز دور الشباب بعد الثورة في المجتمع المدني بالتوازي مع بروزهم في الوسط العسكري، كانت هناك طفرة كبيرة في نشوء الكثير من منظمات المجتمع المدني على مختلف أنشطتها وأعمالها وكان لها دور كبير في استقطاب مجموعة كبيرة من الشباب جعلت منهم شخصيات معروفة لمع اسمها داخل هذا الوسط وغيّرت هذه المنظمات على اختلافها الكثير من الأفكار عن الشباب الليبي وتغيّرت معه حال كثيرٍ ممّن استهدفتهم، إلا أن هذا الوسط لم يسلم أيضا من استغلال السياسيين وأصحاب المال لأجل تنفيذ مآربهم وتعرض لتشويه من قبل شخصيات محسوبة عليه بنشر أفكار مشبوهة وسلوكيات لا تلائم المجتمع.

undefined

لذلك لا يزال أمام الشباب الليبي الكثير من أجل تطوير العمل المدني وجعل استفادة الوطن أكبر من الاستفادة على المستوى الشخصي. إن كل التجارب السابقة التي مروا بها أكسبتهم الكثير فلم يعودوا كما كانوا، هم الآن على درجة أعلى من الوعي والتفكير، ولازال هنالك الكثير ليتعلموه. مع هذا يعتقد جزء كبير منهم أنه أصبح جاهزا وله القدرة والاستطاعة على خوض غمار معترك الحياة السياسية في حين أنه مازال يتعرف على أبجدياتها.

البيئة الليبية تختلف عن أي بيئة أخرى إذا ما تم مقارنة الشباب السياسي فيها -"مصر وتونس" أقرب مثال-، الشباب الليبي لم يولد في بيئة سياسية خصبة وكاملة، هم وُجدوا في صحراء خالية تماما من أي معلم سياسي ويعتقدون أن بضع سنوات في العمل المدني ستجعل منهم متمرسين في السياسة. إن متلازمة الوهم التي يعيشها أغلب الشباب لم تخرج لنا بأي مشروع شبابي استطاع أن يحدث تأثيرا فعليا، كلها مجرد تجمعات ولقاءات وصور على الفيسبوك، بعدها.. لا أثر حقيقي ولا نتائج ملموسة لهذه الأنشطة.

هناك محاولات الاسترخاص وشراء الذمم للشباب ببعض المال أو بوعود زائفة لتولي مناصب من أجل تحقيق مصالح شخصية تكون بأسماء فاسدين ومنتهي الصلاحية.

لا يمكن الطعن في صدق ووطنية الشباب أو أي مشروع يخرج منهم لكن جاهزيتهم وجاهزية مشروعهم هي ما يجب إعادة النظر فيه. قد يظن البعض أني ضد فكرة الشباب وعملهم السياسي.. بالطبع لا، أنا معها إذا توفرت الإمكانيات وكانت القدرات في المستوى، حقيقة نحن الشباب ناجحون في التنظير على بعضنا، ومجرد الحصول على 1000 إعجاب في عالم الوهم تجعل منّا قادة عظماء في نظر سكان هذا العالم.

هنا السؤال: ماهي القدرات والإمكانيات التي يجب أن تتوفر عند الشباب حتى يصبح جاهزا؟ لا أقصد هنا الحصول على شهادات التنمية البشرية ولا شهادة الماجستير المصغر في العلوم السياسية. إذا ما أسقطنا الإمكانيات السياسية للشباب الليبي على نموذج عربي سنجد الفارق كبير، وبالإمكان استخلاص النتائج ووسائل تحقيق هذه النتائج التي وصل إليها هذا النموذج المتطور. أعلم أن هذا الكلام لن يستسيغه كثير من الشباب ولن يقبلوه، ومع ذلك تظل وجهة نظر يتفق معها من يتعامل بمنطق الواقع ولم يصب بمتلازمة الوهم، وسيرفضها كل من أصابته جرثومة هذا الداء.

رسالتي التي أريد توجهيها من خلال هذا المقال إلى الشباب هي كالتالي:
يؤمن الجميع بدوركم الهام والمؤثر في المجتمع ويجب أن تؤمنوا أنتم بدوركم هذا ضمن حدود إمكانياتكم وقدراتكم حتى تتلاءم مع الواقع وتحدث تغييرا حقيقيا وليس مجرد أوهام. أكتب وأنا منكم وإن كان في بعض الوهم أعلم محاولات الاسترخاص وشراء الذمم للشباب ببعض المال أو بوعود زائفة لتولي مناصب من أجل تحقيق مصالح شخصية تكون بأسماء فاسدين ومنتهي الصلاحية والذين يحاولون التجديد باستخدامنا نحن كديكورات حتى تتحسن صورتهم وتقبل أفعالهم ومن ثم يكون لنا بعض الفتات من عظيم ما جمعوه. إن الحصول على شهرة أو منصب أتى عن طريق تملّق أو تزلّف سيفقد صاحبه ثقة الناس فيه ولن يدوم له وينتهي قبل أن يبدأ.

لا تجعلوا من ظهوركم جسرا يَعبر من خلاله مشروع فاسد ولا تُرخصوا من قيمة أنفسكم ولا تبيعوها بالمال، لا تشتروا الوهم كونوا أنتم ولا تكونوا غيركم أيها الشباب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.