شعار قسم مدونات

بريكثرو ستارشوت.. حلم السفر بين النجوم

blogs - مركبة فضائية
منذ مطلع عصر الفضاء حقق الإنسان قفزات طويلة لم يكن يحلم بها على مدى قرون طويلة، فقد وطأ الإنسان سطح القمر ووصلت مركباته الروبوتية وأقماره الاصطناعية إلى الزهرة والمريخ والكواكب الأبعد ولا تزال مركبتا فوييجر 1 و2 (Voyager) تحلقان في فضاء ما بين الكواكب وترسلان لنا البيانات بعد قرابة 40 عام منذ أرسالهما في عام 1977، ولكن الحلم الذي ما زال بعيد المنال هو السفر بين المجموعات الشمسية.
إن مراكبنا الفضائية الحالية  تستغرق أشهرا وسنوات للسفر ضمن مجموعتنا الشمسية التي لا تعدو المسافات ضمنها الدقائق والساعات الشمسية، حيث يصل ضوء الشمس إلى الأرض خلال 8.32 دقيقة إلى الأرض وإلى نبتون الذي هو أبعد الكواكب عن الشمس خلال 4.16 ساعة. فقد استغرقت مركبة أكاتسوكي (AKATSUKI) اليابانية قرابة 10 أشهر لتصل إلى الزهرة واستغرقت مركبة مارز إكسبريس (MARS EXPRESS) حوالي 6 أشهر لتصل إلى المريخ فيما استغرقت مركبة جونو (JUNO) حوالي خمسة سنوات لتصل إلى المشتري.

أما المسافات بين النجوم والأنظمة الشمسية فهي تقاس بالسنوات وعشرات السنوات الضوئية، حيث إن أقرب نجم إلينا وهو ألفا سنتوري ALPHA CENTAURI (رجل القنطور أو الوزن كما عرفه العرب الأقدمون) يبعد 4.33 سنة ضوئية أي أن السفر إليه بالسرعات الحالية للمراكب الفضائية سيستغرق قرونا. وهذا يشكل مشكلة كبيرة فعدا عن تقادم واهتلاك المعدات التي ستحملها مثل تلك المركبة، فإن أجيالا كثيرة من البشر ستعيش وتموت قبل أن تصل تلك المركبة إلى وجهتها.

ستكون السنوات والعقود القادمة مثيرة للاهتمام فعصر الفضاء ما زال في بدايته وما زال الإنسان في بداية عصر المراكب الشراعية في مجال استكشاف الفضاء ولكن أحلام الإنسان لا حدود لها
ستكون السنوات والعقود القادمة مثيرة للاهتمام فعصر الفضاء ما زال في بدايته وما زال الإنسان في بداية عصر المراكب الشراعية في مجال استكشاف الفضاء ولكن أحلام الإنسان لا حدود لها

وبالتالي فمن الطبيعي أن حلم السفر بين النجوم يتطلب من البشرية جهدا فوق المعتاد، ففي 12 نيسان 2016 تضافرت جهود المليونير الروسي يوري ميلنر Yuri Milner والعالم الأميركي ستيفن هوكينغ Stephen Hawking ورجل الأعمال الأميركي مارك زكربرغ Mark Zuckerberg (مؤسس موقع Facebook) وآخرين في مشروع بريك ثرو ستارشوت Breakthrough Starshot الذي بلغت ميزانيته 100 مليون دولار ويهدف إلى إطلاق رحلة إلى أقرب النجوم إلى نظامنا الشمسي بحيث تصل هذه الرحلة إليه ضمن المدى المعقول لحياة الإنسان.

تعتمد فكرة هذا المشروع على مقاربة مبدعة تجاه السفر عبر الفضاء، حيث ستعتمد المركبة التي ستقوم بهذه الرحلة على شراع ضوئي تدفعه الأشعة الضوئية بدلا من الرياح التي تدفع الأشرعة التقليدية، حيث سيكون الشراع مربعا يبلغ طول ضلع 4 أمتار، وسيكون مصنوعا من مادة خفيفة جدا ليتمكن الضوء الساقط عليه من دفعه. وسيتم إرسال سرب ضخم من هذه المركبات يبلغ قرابة 1000 مركبة ستحملها المركبة الأم بالطريقة التقليدية إلى الفضاء الخارجي وتطلقها ومن ثم سيتم إرسال حزمة ليزرية ضخمة من الأرض لتدفع أشرعة هذه السفن الفضائية الصغيرة التي لا يعدو وزن إحداها بضع غرامات (نعم غرامات وليس كيلو غرامات) والسبب في ضخامة عدد هذه السفن هو أنها ستخوض رحلة طويلة ولا بد أن عددا منها سيصطدم بنيازك أو أجرام سماوية أو سيتعرض لمشاكل تقنية.

وبالرغم من ضآلة حجم السفينة الواحدة، فإن كل منها ستحمل كاميرا ومعدات للتواصل اللاسلكي مع الأرض أثناء الرحلة. وستتسارع هذه السفن لتصل سرعتها إلى 20 % من سرعة الضوء مما يعني أنها ستصل إلى ألفا سنتوري في قرابة 20 عاما، وعندما تصل إلى وجهتها ستستغرق الإشارة التي سترسلها إلى الأرض قرابة 4 سنوات. أي أن استلام الرسالة التي ستخبرنا بنجاح الرحلة المرتقبة سيستغرق 24 سنة من بعد إطلاقها. ويتوقع القائمون على البرنامج إرسال هذه الرحلة في عام 2036. ومن المتوقع من هذه الرحلة أن تمر بجوار كوكب بروكسيما ألفا سنتوري باء والذي سيكون في هذه الحالة أول كوكب يستكشفه البشر خارج نطاق المجموعة الشمسية.

ستكون السنوات والعقود القادمة مثيرة للاهتمام فعصر الفضاء ما زال في بدايته وما زال الإنسان في بداية عصر المراكب الشراعية في مجال استكشاف الفضاء ولكن أحلام الإنسان لا حدود لها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.