شعار قسم مدونات

الهوية المقدسة

blogs - قرآن
في الغالب نعيب على الصهيونية الكيفية التي على أساسها قامت برسم الهوية للصهاينة بحيث إنها قامت بدمج النسبي (القومية) وفي حالتهم بني إسرائيل بالمقدس ونقصد فيها الديانة (اليهودية) ونتخذ من هذا التناقض سبيلا لهدم بعض الأباطيل الصهيونية أو بابا في تفسير العقلية الصهيونية، ولكن في حالتنا نحن العرب في بحث الهوية أظن الأمر أكثر تعقيدا وسخرية، فنحن بالغالب نحاول نزع هذه القداسة عن الهوية الصهيونية وإثبات أحقية العرب في ذلك.

ولطالما آمنت أنه لا يمكن قراءة التاريخ وفهم القضايا التاريخية إلا من خلال الأفكار (العقل) وتطوره، وفي حالتنا العربية ما زلت أحاول تتبع تطور العقل العربي وفي كثير من الأحيان أتخذ من العزلة التي لا تعني لي سوى العودة إلى تلك الجزيرة في قصة ابن طفيل (ابن حيان) أو روبنسون كروز لأجد ضالتي في محاولة فهم شرارة انطلاق الوعي أو العقل العربي على الأقل، لأنني لم أقف على كتاب يأخذ على نفسه قراءة التاريخ العقلي للإنسان العربي ربما لغياب العقلية الفلسفية العربية. وكثيرا في نقد الذات كنت أجد أنني أتخذ من بعض المفاهيم الصوفية بلا وعي طريقة لخوض محاولة فهم الهوية، وبقي علي أن أقوم بعمل بعض الطقوس لتكتمل منظومة العملية، ولأنظم جلسة فهم واستحضار الهوية.

عند العودة إلى ما يشبه جزيرة ابن حيان لملء الفراغ الداخلي وإعادة ترتيب منظومة الوعي بالمسألة لا أجد من تبرير يمنعني من تصديق خرافة القومية وقد بات علماء الجينات يكافحونها ويؤكدون أكذوبة التصنيف العرقي

الحلول والاتحاد في فهم الهوية العربية الإسلامية:
بعض المدارس الصوفية تفسر فكرة الحلول على أنها حلول الله في مخلوقاته أو بعض مخلوقاته أو ببعض الأشخاص، وفي المسيحية وجدنا فكرة حلول الله في المسيح (تعالى الله عما يصفون)، إن فكرة الحلول تقوم على أساس الإشارة إلى إثبات الطرفين وليس إلى نفي أحدهما، فنحن في الواقع لا نستطيع فصل فكرة العربية عن الإسلام بحكم أن اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم، وبكل بساطة كثيرا من أدعياء القومية يسقطون في فخ هذا الحلول وتراه يلقي عليك بعضا من منجزات العرب وهي في الحقيقة مكتسبات جاءت من خلال الإسلام وتأثيره، في المقابل ترى طائفة الأكثر تشددا على الأقل صادفت بعضهم يطالبك بخلع عباءة الدين في بعض مسائل الهوية والذات، ويضع أمامك الكثير من المعايير التي تمكنه من كشف التأثير الديني، حتى إنك بالكاد قد تجد مساحة ما في التاريخ يتحقق فيها الوعي العربي أو الهوية العربية بمعزل عن الدين ورسالات السماء.

الاتحاد ووحدة الهوية:
الاتحاد ويقصد به اتحاد الشيئين بشيء واحد، ونرى أنه من الإشكاليات النظر إلى الهوية بهذا المعنى وهي رؤية باطلة، وفكرة الحلول والاتحاد المستوحاة من الباطنية أو الصوفية ليست منهجية متبعة في مجال البحث عن الهوية بمعنى آخر، إنها ليست مذهبا فكريا في التعاطي لبحث إشكالية الهوية بقدر ما هي تناسب وصف بعض نتاجات الأفكار التي تمس ماهية الهوية، فالبعض تراه يتحدث عن ذاته وهويته كما لو أن الإسلام والعرب شيء واحد، وهذا نراه كثيرا في حياتنا اليومية، وهي رؤى تشابه فكرة الاتحاد أو الحلول بغير وعي أو تأكيد وجزم بحقيقة فكرة الهوية، ويمكنك أن تجد هذا الدمج أو المزج بين العربية والإسلام في أبسط جلساتنا وحواراتنا، فهل من حجة في ذلك.

إن ما سبق ليس سوى تبريرا لنتيجة مسبقة قد وقفت عندها وهي أننا فعلا عاجزون عن بناء وعي حقيقي لفكرة الهوية، وعي منطقي كان حاضرا في التاريخ ومستمرا، هذا الوعي القادر على احتضان الهوية والذات ويبين لنا حقيقة الهوية، ويكشف لنا أيضا الكثير من مراحل التاريخ ومساحاته، وعليه فإنني بت لا أكترث كثيرا لهذه الثنائية التي أعتبرها فرضية باطلة، وهو ما قصدت به مسبقا بأنها مسالة تدعونا إلى السخرية، أقصد هنا ثنائية العربية والإسلام. 

فبكل بساطة عند العودة إلى ما يشبه جزيرة ابن حيان لملء الفراغ الداخلي (هي إشارة استخدمها مالك بن نبي) وإعادة ترتيب منظومة الوعي بالمسألة لا أجد من تبرير يمنعني من تصديق خرافة القومية وقد بات علماء الجينات يكافحونها ويؤكدون أكذوبة التصنيف العرقي الواردة في التوراة، ذلك التصنيف الذي يقوم بتصنيف شعوب العالم من أبناء نوح الثلاث وجعلهم يختلفون شكلا ولونا ولغة ربما، وفي هذا المقام أود الإشارة إلى أنني لم أجد من يؤكد صحة الأحاديث الواردة في هذا الشأن، وبعض العلماء ضعف الأسانيد وهم الغالبية.

لسنا بحاجة لفكرة الحلول أو الاتحاد لإسباغ ذواتنا بفكرة الهوية المقدسة أو بهدف نزعها عن الرواية الصهيونية وإحلال ذواتنا بدلا منها الحقيقة التي لا بد منها أن نؤمن أن التصنيف الإلهي قائم على أساس الخير، والشر

من الحقائق التي لا بد منها أنه لا مكان للنسبي في المجال المطلق، بمعنى أنه لا يمكن اعتبار أن الإسلام والعربية شيء واحد إذا ما آمنا أن الإنسانية قد تكاثرت من لدن شخص واحد، وأن الفروقات الشكلية واللون وما إلى ذلك هو نتيجة النشاط الجيني المرتبط باختلاف البيئة، كما يعلل ذلك علماء الجينات، فإنه لا يوجد ما يبرر فكرة القومية أو الأعراق، واللغة العربية لا يوجد ما يبرر أنها إبداع العقل العربي، فضلا أن مسألة نشأتها لا تزال أحد الفروض العلمية التي يعمل عليها الباحثون، فهنالك من يؤكد أنها لغة آدم عليه السلام في الجنة، وقد تحدث بها إدريس عليه السلام (أول من خط بالقلم) وأنها لغة أهل الجنة كما ورد في بعض الأحاديث، والقرآن الكريم يعرف على أنه (كلام الله المعجز…) وحاشى لله أن يقتبس لسان الآدميين لينزل به كلامه.

الهوية المقدسة:
أنا شخصيا لم أقصد إطلاق فكرة الحلول أو الاتحاد في وصف الهوية العربية الإسلامية على أنها منهجية متبعة لتحقيق مطلب الهوية المقدسة وإضفائها على ذاتنا، هذه الهوية التي تأسر القلوب وتضعها في منزلة عظيمة، ولا شك أن هذه الهوية إن وجدت تستحق على الأقل الصراع بين المسلمين واليهود الذين ابتدعوا فكرة ( الشعب المختار)، وربما لخجل ما أو مشكلة ما نخجل من الاعتراف بجنوحنا نحو محاولة سبغ ذواتنا بهذه الهوية.

وفي الحقيقة نعم حسب فهمي البسيط، لا أرى أن فكرة الهوية المقدسة أو الشعب المختار مجرد أسطورة، بل هي هوية حاضرة في التاريخ بل معظم التاريخ تشكل على أساسها، ولكن ليس على أساس العرق أو القومية، ولكنني أستشعر معناها في مسيرة أنبياء الله تعالى والأنبياء رضوان الله عليهم بريئون من فكرة الاتحاد أو الحلول في هويتهم، كان هنالك الوحي من يربطهم بالله سبحانه وتعالى، ولكن كيف تشكلت فكرة (القوم أو الجماعة) المرتبطة بالأنبياء، لا شك أنها تشكلت بواسطة اتباع تعاليم الله وآيات القرآن توضح ذلك في سورة آل عمران "إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" ( آل الشخص أي اتباعه وقومه) ويقول جل في علاه "إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَٰذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا ۗ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ".

ببساطة لسنا بحاجة لفكرة الحلول أو الاتحاد لإسباغ ذواتنا بفكرة الهوية المقدسة أو بهدف نزعها عن الرواية الصهيونية وإحلال ذواتنا بدلا منها الحقيقة التي لا بد منها أن نؤمن أن التصنيف الإلهي قائم على أساس (الخير، والشر) فمن تبع الأنبياء هو من أهل الخير اللذين اصطفاهم الله تعالى على العالمين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.