شعار قسم مدونات

متى سيرن هاتف العدالة في قصر بشار الأسد؟

بشار الأسد - مدونات
لا شك أن القتل المتعمد للمدنيين في سوريا دفعة تلو الأخرى، كل يوم، هي السمة البارزة والحقيقة المطلقة التي لا يختلف عليها اثنان، ناهيك عن التشريد القسري للمدنيين والاغتصاب والعنف الجنسي والإعدام خارج القانون، وقصف المدنيين بأسلحة محرمة دوليا، وهي كلها جرائم تدخل في نطاق الانتهاكات الجسيمة والممنهجة للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، الأمر الذي يستتبع تحريك المسؤولية الجنائية الفردية لمحاكمة المسؤولين عنها. وأكيد أن النظام السوري هو المسؤول الأول والأكبر عن الانتهاكات الجسيمة منذ اندلاع الاحتجاجات السلمية في القطر السوري.

انطلاقا من التجارب الدولية السابقة في مجال تطبيق العدالة الجنائية الدولية، يمكن القول إن السمة الرئيسية لهذه التجارب هي ارتباط الاعتبارات السياسية بالعدالة الجنائية في جميع المراحل، ولذلك فإن مسألة تطبيق العدالة في القضية السورية ستواجه بصعوبات كثيرة ومتعددة، نظرا لتشعب مصالح القوى الأجنبية في سوريا، واختلاف المرجعيات والأيديولوجيات للقوى المتدخلة في الشأن السوري من جهة أخرى، لكن هاته الصعوبات لا يمكن أن تمنعها من طرح المقترحات والصيغ والمداخل الممكنة لتطبيق العدالة في سوريا وهي كالتالي:

أمام هول الفضاعات المرتكبة في كل من يوغسلافيا السابقة وروندا أقدم مجلس الأمن الدولي على تأسيس محاكم جنائية خاصة Ad Hok بمقتضى قرارات ملزمة صادرة عن الفصل السابع من الميثاق الأممي.

– خيار إسناد المسألة إلى المحاكم الوطنية السورية لتطبيق العدالة الجنائية، حيث يقع التزام على عاتق الدولة طبقا لاتفاقيات جنيف الأربع؛ بأن تقمع كل الانتهاكات الواقعة على أحكام القانون الدولي الإنساني، وهي تقوم بذلك من خلال اختصاص محاكمها القضائية بالعقاب على الأفعال المحرمة دوليا، وتجدر الإشارة إلى أن هذا الالتزام يعد التزاما مطلقا تحت طائلة عدم الاتفاق على ما يخالفه، لكن أي أحمق سيقدم على تفعيل هذا الالتزام، فالنظام السوري هو المسؤول عن هذه الانتهاكات، ولا يمكن أن نتصور أن يقوم الجلاد بمحاكمة نفسه، أو تسهيل محاكمة نفسه، لكن الحقيقة الواضحة في هذا السياق هو أن النظام السوري أصبح على حافة الانهيار، إذ لم يكن قد انهار أصلا.

وعندما تنهار المؤسسات الأمنية والقضائية في الدولة، فإن المسؤولية تنتقل إلى يد مؤسسات المجتمع الدولي لحماية المدنيين انطلاقا من قاعدة عدم قدرة الدولة على توفير الحماية لمواطنيها. هنا نتحدث عن مسؤولية المجتمع الدولي في حماية المدنيين، لكن لماذا أدار المجتمع الدولي ظهره للمدنيين في سوريا؟ في حين تدخل باسم الإنسانية في بقاع أخرى!

– خيار إسناد المسألة إلى جهة قضائية لدولة ثانية، وهو ما يطلق عليه في أدبيات القانون الدولي الاختصاص القضائي الجنائي العالمي، بمقتضاه يسند إلى محاكم دولة أخرى النظر في قضايا ترتبط بانتهاك القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان بغض النظر عن مكان ارتكاب الجرائم الدولية ومهما كانت الجنسية التي يحملها الفاعل ويجد هذا الاختصاص سنده في الاتفاقيات الدولية والأعراف الدولية، وقد عرفت هاته الممارسة تطورا ملحوظا بعد انتهاء الحر ب الباردة، إلا أن مجموعة من الاعتبارات القانونية والسياسية والضغوط العسكرية، وهي معروفة لدى الباحثين في القانون الدولي حالت دون تعميم هاته الممارسة والرقي بها.

روسيا وهي الحليف الاستراتيجي لسوريا شريكة هي الأخرى في ارتكاب الجرائم الدولية، ولا يعقل أن تسمح روسيا بإنشاء محكمة جنائية دولية خاصة مخافة أن تطالب بمثول المسؤولين الروسيين أمامها
روسيا وهي الحليف الاستراتيجي لسوريا شريكة هي الأخرى في ارتكاب الجرائم الدولية، ولا يعقل أن تسمح روسيا بإنشاء محكمة جنائية دولية خاصة مخافة أن تطالب بمثول المسؤولين الروسيين أمامها

الخيار الثالث وهو تأسيس محكمة جنائية دولية خاصة لمحاكمة مجرمي الحرب في سوريا على غرار محكمة يوغسلافيا السابقة والمحكمة الخاصة برواندا، فأمام هول الفضاعات المرتكبة في كل من يوغسلافيا السابقة وروندا أقدم مجلس الأمن الدولي على تأسيس محاكم جنائية خاصة Ad Hok بمقتضى قرارات ملزمة صادرة عن الفصل السابع من الميثاق الأممي الذي يعطي لمجلس الأمن الحق في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين وقد كان ميلاد هذه المحاكم رهين بالتوافقات السياسية للأعضاء الدائمة في مجلس الأمن.

ولا أظن أن مثل هاته التوافقات ستحصل في الوضع السوري، ذلك أن روسيا وهي الحليف الاستراتيجي لسوريا شريكة هي الأخرى في ارتكاب الجرائم الدولية، ولا يعقل أن تسمح روسيا بإنشاء محكمة جنائية دولية خاصة؛ مخافة أن تطالب بمثول المسؤولين الروسيين أمامها، لذلك يبقى هذا الخيار مستبعدا لعدم احتمال حصول توافق بين الأعضاء الدائمة في مجلس الأمن على تأسيس محكمة جنائية دولية خاصة بسوريا.

مهما كانت الصعاب والعراقيل يبقى صوت الضحية أقوى من صوت مدافع الجلاد وبنادقه ومهما طال ليل الظلم والجور، فإن صبح العدالة لابد أن يحل ليكشف عن الوجه الحقيقي للطغاة.
الاحتمال الأخير وهو إمكانية عرض القضية السورية على أنظار المحكمة الجنائية الدولية الدائمة التي تختص بالنظر في الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني بغض النظر عن مكان ارتكاب الجرائم، وبغض النظر عن الصفة الرسمية لمرتكب هاته الجرائم لكن، الوصول إلى المحكمة الجنائية الدولية يتطلب تخطي العديد من العراقيل القانونية والسياسية والصعوبات ترتبط بكيفية إحالة قضية ما إلى أنظار المحكمة وهي موزعة على ثلاث إمكانات:
– الإمكانية الأولى: هو أن تطرح الدولة طبقا للمادة 12 من نظام روما الإعلان عن قبول بنظام المحكمة وعرض قضيتها على أنظار المحكمة إذ تبث حصول انتهاكات وجرائم من قبيل الجرائم التي تختص المحكمة بالنظر فيها لكن ما دام النظام السوري متورط إلى حد النخاع في الجرائم المرتكبة في حق الشعب السوري.

يبقى مستبعد جدا حصول هذا الأمر على الأقل في ظل سيطرته، إلا أن الحديث أصبح يكثر حول انهيار النظام السوري وفقدانه السيطرة على كثير من الأراضي السورية، ناهيك عن الانقسام الحاصل في مؤسسة الجيش، الأمر الذي يطرح أكثر من تساؤل حول من له الشرعية في الإعلان عن قبول الانظمام إلى المحكمة الجنائية الدولية، وبالتالي الخضوع لأحكام نظامها الأساسي، وبمفهوم المخالفة فإن النظام السوري لم يعد قادرا على حماية المدنيين في سوريا، الأمر الذي يستتبع نقل مسألة الحماية إلى المجتمع الدولي، لا سيما في الحالة التي تكون فيها الدولة غير قادرة أو غير راغبة في حماية المدنيين الموجودين على ترابها.

– الإمكانية الثانية: وهي أن يقوم المدعي العام من تلقاء نفسه إذا ما توافرت له الأدلة الكافية والقرائن على حصول جرائم دولية بعد الشروع في التحقيق من تلقاء نفسه والمطالبة بتوقيف الجناة المفترضين وتسليمهم إلى المحكمة الجنائية الدولية، وهنا فإن المدعي العام لا تنقصه الأدلة فهي متوفرة وموثقة بالدليل الملموس، فكل ما يمكن أن ينقصه هو الإرادة للقيام بذلك.

– الإمكانية الثالثة: الأمر الأخير لتطبيق العدالة الجنائية الدولية هي قيام مجلس الأمن بمقتضى مسؤوليته أمام المحكمة الجنائية، وانطلاقا من علاقته بالمحكمة بإحالة القضية السورية على أنظار المحكمة الجنائية متصرفا بموجب الفصل السابع من الميثاق، وإلزام الدول بالتعاون مع المحكمة بغية الوصول إلى العدالة وإنصاف الضحايا، هذا الاحتمال هو الآخر يصعب تحقيقه لأنه يتطلب حصول توافق سياسي وقانوني أولا في المجلس بين الأعضاء الدائمة، ومن المستبعد أن يحصل هذا التوافق في ظل الوضع الدولي الراهن، خصوصا وأن الطرف الروسي والحليف الاستراتيجي للنظام السوري لن يسمح بتمرير مثل هذا القرار الذي سيقضي بإحالة القضية السورية على أنظار المحكمة.

ولكن مهما كانت الصعاب والعراقيل يبقى صوت الضحية أقوى من صوت مدافع الجلاد وبنادقه ومهما طال ليل الظلم والجور، فإن صبح العدالة لابد أن يحل ليكشف عن الوجه الحقيقي للطغاة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.