شعار قسم مدونات

حزب العدالة والتنمية المغربي وتجربة الإصلاح

blogs عبد الإله بن كيران
في وقت ليس ببعيد من تاريخ المغرب السياسي، خرجت بعض الحركات الإسلامية بقناعة مفادها ضرورة المشاركة في الحياة السياسية، من أجل المساهمة في الإصلاح من داخل المؤسسات، لم تكن ولادة هذه القناعة بالشيء السهل، بل صاحبها مخاض عسير تمثل بالأساس في خلافات بين قيادات هذه الحركات حول جدوى المشاركة السياسية في ظل سيطرة الدولة على مختلف أجهزة الحكم في المغرب، وسيطرتها كذلك على الأحزاب السياسية شكلا ومضمونا. ولادة تجربة حزب العدالة والتنمية كانت ثمرة سنوات من النقاش السياسي والمراجعات الفكرية، ولادة قيسيرة لتجربة راهنت على منهجها الإصلاحي، وفق مقاربة التعاون مع الغير على الخير كما ظلت تردد قيادات هذه الحركات الإسلامية لسنوات. إنه الخيار الذي استند على أعمق ما توصل له الفكر الإسلامي من قواعد أصولية في تدبير صراع الخير والشر بين القوى المتناحرة داخل المجتمع سياسيا، إيديولوجيا وفكريا.

– عوامل نجاح:
في تقديري نجاح تجربة العدالة والتنمية بالمغرب كانت له عوامل كثيرة أبرزها:
– انهيار الاتحاد السوفيتي ومعه مبادئه التي لاقت قبولا كبيرا لدى الشعوب المضطهدة في وقت من الأوقات، مما ترك المجال لبروز جيل جديد من الظواهر السياسية وإيديولوجيات بديلة ستنبث نجاعتها لاحقا.
– بروز جيل إسلامي مؤمن بضرورة المشاركة في الحياة السياسية كباب واسع من أبواب التغيير والإصلاح، وإيمانه بأن الديمقراطية هي المدخل الأساسي لهذا الإصلاح.

– انطلاق شرارة الربيع العربي سنة 2011 وما واكبها من عملية تحول سياسي عصفت بدكتاتوريات عمرت لسنوات، كانت من بين أهدافها الرئيسية محاربة النموذج السياسي الذي تبنته الحركات الإسلامية في مختلف أقطار الوطن العربي، على غرار حركة النهضة في تونس، والإخوان المسلمين في مصر، هذه الحركات شكلت لسنوات تهديدا حقيقيا لمشروعية النماذج الدكتاتورية في بلدان الربيع العربي.
 

يتسم مغرب اليوم بتعدد إشكالياته وتحدياته، من الواقع الاقتصادي الهش وانعكاساته على سوق الشغل، مرورا بظاهرة الفساد التي تنخر الإدارة ومؤسسات، وصولا إلى الواقع الإقليمي المضطرب وقضايا الإرهاب الدولي.

– بروز أفق رحب للعمل السياسي في المغرب خصوصا بعد تولي الملك محمد السادس الحكم وإطلاقه لسلسة من الإصلاحات السياسية التي تميزت بعمقها وشموليتها وقدرتها على الاستجابة لتطلعات مختلف الفاعلين، وقد توجت هذه الإصلاحات بإقرار دستور جديد سنة 2011 يبني تصورا جديد لعلاقة الملكية بالأحزاب السياسية، ودور رئيس الحكومة وباقي الفاعلين في الحياة السياسية.

– تكاثف مجموعة من القيادات حول فكرة واحدة، وتصور موحد لطبيعة الدور الذي سيلعبه الحزب مستقبلا، وكذا لعلاقة الحزب مع الدولة المبنية على التوافق والتعاون بدل التعارض والتصادم.
– انصهار حزب العدالة والتنمية في المجتمع في السنوات القليلة الماضية وإقرار مجوعة من الفاعلين السياسيين في المغرب بقدرته على تمثيل فئة عريضة من الشعب، تصورا، فكرا، منهجا ومشروعا.

إن نجاح تجربة العدالة والتنمية في المغرب ظل رهينا بالأساس بمدى مصداقية قياداته وقواعده وإيمانهم ومبادئهم وتوحدهم حول مشروعهم الإصلاحي، حملوا رسالة مفادها أن الشعب بحاجة إلى التغيير، بحاجة إلى حقوق ومساواة وعدالة اجتماعية، بحاجة إلى ماء نقي وغداء وملابس تقيهم لعنة البرد في ليالي الشتاء الباردة، بحاجة إلى وظيفة وأسرة وحياة مستقرة.

– تحديات في الأفق:
يتسم مغرب اليوم بتعدد إشكالياته وتحدياته، من الواقع الاقتصادي الهش وانعكاساته على سوق الشغل، مرورا بظاهرة الفساد التي تنخر الإدارة ومؤسسات عمومية أخرى، وصولا إلى الواقع الإقليمي المضطرب وقضايا الإرهاب الدولي، كلها تحديات يتطلب مواجهتها مزيدا من المسؤولية والفاعلية من طرف الساسة وباقي الفاعلين ومقاربة مشتركة للعمل وفق أهداف محددة.

إن المنطق الإصلاحي الذي تبناه حزب العدالة والتنمية يجعل منه فاعلا أساسيا في هذه المعادلة، ما دامت لديه قدرة على امتصاص الصدمات المتتالية التي يتعرض لها في واقع سياسي مضطرب، يغلب عليه منطق الصراع، وما دامت لديه القدرة على مواجهة محاولات إضعافه وضرب مصداقيته أمام الرأي العام. هذه التحديات تتطلب من أعضائه وقيادييه مواصلة الإيمان بالمشروع الإصلاحي، والحرص على بناء جيل جديد مؤمن بالمشروع ومستعد للتضحية في سبيل رؤية مغرب الغد متباهيا بملكه وشعبه ووطنه بين الأوطان.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.