شعار قسم مدونات

تيه السياسة في الشرق الأوسط

blogs سوريا حمص
يستطلع السوريون مع كلّ صباحٍ سيلاً من التحليلات والاستنتاجات المتضاربة لكتّابٍ ومحللين سياسيين وعسكريين عن آخر التطورات والتفاهمات الدولية في المنطقة عامة وبلدهم سوريا خاصة. ويعتبر بعض المحللين أنّها بداية النهاية للحرب في سوريا، ويأمل بوقف شلال الدّم وعودة الاستقرار بعد خفض التصعيد، وانطلاق قطار الحلّ السياسي والتسوية من أجل تسهيل إعادة الإعمار، وإنشاء جيشٍ وطني؛ يشرف على وضع الدستور للبلاد. لا شكّ أنّ هؤلاء الخبراء يعتمدون بتحليلاتهم على عدّة اتفاقات آخرها التصريحات الفرنسية -الأمريكية المتزامنة مع هزيمة داعش في الموصل وقرب انهيارها في الرقة. 
بينما ترى فئة غير قليلة من المحللين بينهم الكاتبة راغدة درغام في الحياة (3) أنّه جارٍ تقاسم الكعكة السورية، وبسط النفوذ من قبل الدول الكبيرة الخشنة بمساعدة دول المنطقة الخائفة من وصول الانهيار والتفتت إليها، فتذهب مكرهةً إلى أقلّ الشرين، ويعزز رأي من يردد تلك التحليلات بخارطة توزّع القوى على الأرض، وإقامة القواعد العسكريّة من تركيا شمالاً حتّى الأردن جنوباً امتداداً للقواعد العسكرية في العراق إلى المتوسط غرباً، حيث ستكون تلك القواعد الضامن الوحيد للاستقرار في المنطقة -وفق زعم أصحاب هذا الرأي- بعد تحوّل الحرب إلى حربٍ طائفيةٍ تشمل الشيعة والسنة والعلوية والأكراد مع باقي الطوائف التي تشاركهم في المنطقة، ويستحيل إنهاء النزاعات وبسط الاستقرار بغير القوة؛ التي ستلزم جميع الأطراف بوقف إطلاق النار بعد التهدئة التي بدأت تدخل حيّز التنفيذ في درعا بدخول الشرطة الروسية، التي ستنتقل للشمال قريباً.

بينما يرى أحد المعارضين السوريين أن تقسيم سوريا مستحيل، ويحلم بمشروع وطني يضم جميع السوريين ويعول الكثير أمثال الجربا على التنافس الروسي الأميركي على المنطقة في انهيار كلّ تفاهمات التقسيم والخطط المعدّة له، ويؤكّد أنّ الأمر ليس اتفاقاً بل صراعاً بين هذين القطبين لفرض خرائطهم والتهام أكبر جزء ممكن من الكعكة، ويعوّل كلّ منهما على صبر أنصاره ومقاومتهم للمشاريع المضادة على الأرض.

نقرأ تحليلات كثيرة نتيجةً لتسريباتٍ قد تكون مدسوسة عمداً في وسائل الإعلام لشغل الرأي العام وتخديره، أو نتيجةً لما تعلنه الدول الكبرى لتمرر مشاريعها.

يذهب آخرون للتعمّق أكثر في استقراء وضع المنطقة وتاريخها، كما كتب الأستاذ ميشيل كيلو في العربي الجديد (4) الذي لا يصدق أن أميركا فاشلة ويحلل الأحداث وفق المصالح الأمريكية الاستراتيجية والاقتصادية؛ المتحكّمة بالسياسة الأميركية بعيدة المدى، والتي تعمل بالتنسيق مع إسرائيل اللاعب الحقيقي في المنطقة؛ الذي ظهر دوره جلياً في المنطقة الجنوبيٍة. وتملك روسيا في الجهة المقابلة احتياطياً كبيراً من النفط والغاز، وتستخدم هذا الاحتياطي مع حلفائها، لتتعامل بعدائية مع العالم والغرب، فتهدّد أوروبا بقطع هذه الموارد كلّ حين، وهذا السبب الحقيقي للخلاف في القرم وأوكرانيا ومنطقة البلطيق وسوريا والعراق.

يجدر الذكر أنّ روسيا استطاعت كسب كلّ من تركيا وبعض دول المنطقة إلى جانب إيران وجزء من المعارضة السوريّة، وجعلهم يقفون جميعاً في الأستانا ضدّ المخطط الأميركي الإسرائيلي الهادف لتفتيت المنطقة ومن ثمّ التهامها. وتأمل روسيا الحفاظ على مصالحها في سوريا مع بقاء الأسد أو نظامه، تذهب أميركا للمماطلة مع حلفائها في القضايا الشائكة في المنطقة، بينما تنتظر مزيداً من الغرق الروسي الإيراني في المستنقع السوري الدامي. كما تتظاهر أميركا أنّها غير مهتمة في بقاء سوريا موحّدة أم مفتتة. إلا أنّ الحقيقة غير ذلك؛ لأنّ حلم إسرائيل يتحقق في المنطقة، وستكون أسعد بالتورّط التركي مع هيئة فتح الشام؛ التي تعارض التدخل التركي في الشمال السوري كضامن من جهة المعارضة في مقابل روسيا وإيران الضامن للنظام.

يقف السوري حائراً أمام تلك الآراء المتضاربة بين من يؤكّد أنّ العدّ العكسي بدأ في سورية مع تدمير «داعش»، وتأمين خروج ومغادرة الميليشيات متعددة الجنسيات، وانخراط الأوروبيين جديٌ في إعادة البناء، وعمليّة سياسيّة آتية تستعد لها الأمم المتحدة. وبين فريق آخر يرى أنّ المرحلة القادمة ستكون أصعب بكثير، فلا استقرار في سورية ما دامت إدارة ترمب تسير بتردد وحذر أمام عنف روسيا وإيران.

تبقى التحليلات على أنواعها نتيجةً لتسريباتٍ قد تكون مدسوسة عمداً في وسائل الإعلام لشغل الرأي العام وتخديره، أو نتيجةً لما تعلنه الدول الكبرى لتمرر مشاريعها، إلا أنّ الحقيقة تكمن فيما يجري خلف الكواليس وفي الاجتماعات السريٍة وهذا ما يصعب الوصول إليه، بانتظار بدء تطبيق تلك التفاهمات على الأرض وحينها ستتبلور الأمور وستظهر الخارطة النهائية للمنطقة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.