شعار قسم مدونات

تاريخ العمل النقابي الفلسطيني

blogs - علم فلسطين
يعتبر العمل النقابي إحدى الركائز المهمة لنضال المجتمع المدني الفلسطيني، وهو رافد أساسي من روافد المشروع الوطني شأنه شأن السياسي والاقتصادي والصحي والاجتماعي والإعلامي، إذ لا دولة حديثة قوية بدون عمل مؤسساتي نقابي حر وفاعل، ولقد ارتبط العمل النقابي الفلسطيني منذ نشوئه بخصوصية فريدة وهي واقع الصراع بين المشروع التحرري الفلسطيني والمشروع الإحلالي الصهيوني، فكان قدرا على النقابي الفلسطيني أن يجمع بين النضال النقابي المطلبي والنضال السياسي التحرري في آن واحد، وكان للمؤسسات النقابية دورا مهما وبارزا في تحفيز الجماهيرالفلسطينية للمشاركة في الثورات والمظاهرات ضد الاحتلال الصهيوني ومخططاته.
وتعود جذور العمل النقابي الفلسطيني إلى حقبة العشرينات من القرن الماضي، حين تم تأسيس نادي سكة الحديد للدفاع عن عمال سكة الحديد الحجازية إبان الانتداب البريطاني لفلسطين، وتلا ذلك تأسيس جمعية العمال العرب عام 1921 في مدينة حيفا والتي أسهمت بدور كبير في تطوير العمل النقابي العمالي في حقبة الثلاثينيات وحتى عام 1948، وأصبحت عضوا في الحركة النقابية العمالية العالمية ممثلة لفلسطين، وفي عام 1942 تلقى الجسم النقابي بفعل أحداث النكبة ضربة موجعة، حيث تم تشتيت آلاف العمال الفلسطينيين والنقابيين إلى دول المهجر والجوار وتدمير البنية التحتية والاقتصادية للمؤسسات الفلسطينية.

أما في الفترة ما بين 1948 وحتى 1967، فحاول العمل النقابي الفلسطيني استرداد جزء من عافيته وإعادة ترتيب أوراقه، إلا أن ملاحقات قوات الاحتلال الصهيوني كانت له بالمرصاد، حيث تم إغلاق العديد من المقرات النقابية وإبعاد عدد من النقابيين خارج فلسطين، ووضعهم في السجون والمعتقلات وفرض الإقامة الجبرية عليهم.. كل تلك الإجراءات لم تفت في عضد النقابيين وزادت من إصرارهم على مواصلة العمل والتحدي بتشكيل المزيد من الاتحادات والمؤسسات، حيث قامت منظمة التحرير الفلسطينية في حقبة الستينيات والسبعينيات بتأسيس الاتحادات العامة لغالبية الأطر النقابية، كان أبزرها الاتحاد العام لعمال فلسطين عام 1963، والاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين عام 1966 والاتحاد العام للأطباء والصيادلة الفلسطينيين عام 1968، وقد شهدت فترة الثمانينيات الحضور الفاعل والأبرز لأنشطة تلك الاتحادات، خاصة في مخيمات الشتات والدول الأوروبية، حيث كان لها دورا مهما في توعية الفلسطينيين بشؤون قضيتهم والتفافهم حولها فضلا عن رعايتها لمصالح منتسبيها. 

نشأت مؤسسات وجمعيات تعمل على مستوى القارة الأوروبية مثل تجمع الأطباء الفلسطينيين في أوروبا وتجمع المهندسين الفلسطينيين في أوروبا.

أما حقبة التسعينيات فتميزت بنشوء السلطة الوطنية الفلسطينية وما صاحبها من طفرة في بناء المؤسسات النقابية بكافة مسمياتها على طريق بناء الدولة الفلسطينية بغض النظر عن الإشكاليات والتضييقات التي مارستها السلطة آنذاك بحق العمل النقابي والتي كان طابعها سياسي بامتياز.

أما العشرية الأولى والثانية من القرن الحالي، فشهدتا تراجعا ملحوظا في الأداء النقابي الفلسطيني، مرده إلى استهداف الاحتلال المتكرر للنقابيين خاصة في الضفة الغربية وكذلك بسبب الانقسام السياسي الذي أرخى سدوله على معظم مناحي الحياة الفلسطينية، وأدى إلى تعطل المسار الديمقراطي في غالبية النقابات المهنية بسبب تجميد إجراء الانتخابات وإغلاق بعض المؤسسات النقابية في شطري الوطن.

– العمل النقابي الفلسطيني في الشتات أوروبا نموذجا:
يعود تاريخ الوجود الفلسطيني في أوروبا إلى فترة الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، حيث بدأت وفود الطلاب بالقدوم للدراسة في الجامعات الأوروبية بهدف التعليم والدراسات العليا، وانتهى المطاف بالعديد منهم إلى الاستقرار في البلدان التي قدموا إليها، أما فترة الستينيات والسبعينيات فتميزت بالإعلان عن تأسيس العديد من المؤسسات النقابية الفلسطينية في أوروبا انسجاما مع قرارات منظمة التحرير الفلسطينية؛ كاتحادات الطلاب والأطباء والعمال والمهندسين وغيرها، فيما شهد عقد الثمانينيات تدفق أعداد أكبر من الفلسطينيين إلى أوروبا وخاصة من مخيمات لبنان بفعل الحروب والأحداث السياسية التي عصفت بالبلد آنذاك، وقد تميزت هذه الفترة بالحضور الأبزر للأنشطة والفعاليات النقابية للفلسطينين في أوروبا. 

لم تستطع الأحزاب والحركات الفلسطينية الفصل والتمايز ما بين العمل الحزبي والنقابي وغدت النقابات تتشكل ضمن رؤية وبرامج الأحزاب السياسية.
لم تستطع الأحزاب والحركات الفلسطينية الفصل والتمايز ما بين العمل الحزبي والنقابي وغدت النقابات تتشكل ضمن رؤية وبرامج الأحزاب السياسية.

أما حقبة التسعينيات فشهدت قدوم المزيد من الطلاب والأكاديميين الفلسطينيين إلى الجامعات الأوروبية
وتراجع النشاط النقابي فيها تراجعا واضحا بفعل تبعات اتفاقية أوسلو وما أحدثته من شرخ وانقسام واضح في صفوف الفلسطينيين عبر التركيز على الداخل الفلسطيني وتهميش دور فلسطينيي الخارج واعتباره دورا ثانويا، الأمر الذي أدى إلى تفتت وشبه اندثار للعديد من المؤسسات والجمعيات الفلسطينية وعلى رأسها اتحادات الطلاب والأطباء والعمال. أما في العقدين الأول والثاني من القرن العشرين فتبلورت ملامح جديدة ونهوض للعمل النقابي الفلسطيني في أوروبا من كبوته، إذ نشأت جمعيات واتحادات ومؤسسات نقابية فلسطينية أخذت على عاتقها إكمال المشوار وملء الفراغ الذي أحدثه اتفاق اوسلو وأعادت الروح للعمل النقابي الفلسطيني من جديد، وتميزت باتساع نطاق نشاطها ليأخذ البعد القاري لعمل الدورالأبرز فيها على حساب البعد القطري الأوروبي.
 

غياب الانتخابات الدورية وانعدام الشفافية والاستقلالية والانفتاح عوامل أدت إلى تكلس الأداء الديمقراطي للنقابات ويعود ذلك إلى عوامل داخلية وخارجية.

فنشأت مؤسسات وجمعيات تخصصية تعمل على مستوى القارة الأوروبية مثل تجمع الأطباء الفلسطينيين في أوروبا عام 2008 وتجمع المهندسين الفلسطينيين في أوروبا عام 2013، وكذلك تجمعات العمال والمعلمين والشباب والفنانين الفلسطينيين في أوروبا، وقد لعبت هذه التجمعات دورا مهما في تأطير الكوادر المهنية الفلسطينية في أوروبا وصهر طاقاتها لخدمة المشروع الوطني الفلسطيني وشكلت حلقة وصل بين النقابيين الأوروبيين وزملائهم في فلسطين، وقدمت أنموذجا يحتذى به في التفاعل المهني والتخصصي مع قضايا الوطن.

– أزمة العمل النقابي الفلسطيني:
1- جدلية العلاقة بين السياسي والنقابي: شكل انحياز مؤسسات العمل النقابي الفلسطيني تاريخياً، لقضايا النضال الوطني والعمل السياسي على حساب النشاط النقابي والعمل المجتمعي التنموي إلى إضعاف هذه المؤسسات وعجزها عن إمكانية تحقيق إنجازات نقابية فعلية على الأرض وتحولت النقابات في كثير من الأحيان إلى منظمات سياسية تعنى بالتحرر الوطني أكثر من اهتمامها بتطوير أدائها والدفاع عن حقوق أعضائها والارتقاء بهم نقابيا. 

2- سيطرة الحزبي على النقابي: لم تستطع الأحزاب والحركات الفلسطينية من الفصل والتمايز ما بين العمل الحزبي والنقابي وغدت النقابات تتشكل ضمن رؤية وبرامج الأحزاب السياسية وأصبح الولاء الحزبي داعم أساسي لبقائها وثبات توجهاتها على حساب استقلاليتها.
3- تشتت الجسم النقابي: شكل ارتهان النقابي الفلسطيني للأحزاب والحركات السياسية التي يتبع لها إلى عدم وجود صوت موحد للنقابيين الفلسطينيين وأضفى على نشاطهم حالة من الاستقطاب السياسي الشديد الأمر الذي أضعف هذا العمل وشتته. 

4- ارتهان النقابي للراتب: عدم تفرغ الكثير من النقابيين الفلسطينيين وتقاضيهم رواتب نظير ما يقومون به إما من السلطة الحاكمة أو من الممول الخارجي أدى إلى إيجاد حالة من التحكم في قرارات وتوجهات المؤسسات النقابية وإضعافها.
5- ضعف الأداء الديموقراطي: غياب الانتخابات الدورية وانعدام الشفافية والاستقلالية والانفتاح عوامل أدت إلى تكلس الأداء الديمقراطي للنقابات ويعود ذلك إلى عوامل داخلية وخارجية أهمها تشتت الجسم النقابي بفعل اعتداءات الاحتلال المتكررة بحقه، فضلا عن تدخل الأحزاب السياسية في عمل وتشكيلات النقابات.

– الخلاصة:
من أجل إحداث تنمية سياسية واجتماعية حقيقية وحتى تكون الحركة النقابية الفلسطينية مواكبة للمتغيرات والمستجدات النقابية العالمية عليها تقديم أداء ديمقراطي عصري يعتمد على المهنية والشفافية والاستقلالية وأن تكون متحررة من تحكم الحزبي والسياسي في أدائها وتوجهاتها وتمويلها حتى تكون قادرة على نقده ووضع ما لديها من مطالب نقابية على أجندته.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.