شعار قسم مدونات

إسلاميو سوريا.. عوامل النشأة

مدونات - إسلاميو سوريا

شهدت ثورة الشعب السوري التي انطلقت في شهر آذار من عام 2011 عدة مراحل ومنعطفات خطيرة، حولتها من ثورة شعبوية كانت تندد بممارسات نظام الأسد الدكتاتوري إزاء الشعب السوري إلى ثورة مسلحة تحمل العديد من الخفايا والمعاني المبطنة داخل تصرفات الأطراف الفاعلين على الأراضي السورية، ونتيجة الظلم الشديد الذي عاناه المواطنون السوريون منذ بداية الثورة من قتل وتجويع وتهجير، اتخذ كل مواطن سوري الجانب الذي يجد فيه الحل لهذه الأزمة والذي يضمن له البقاء على قيد الحياة وحماية عائلته، ونظراً لتأصل بعض المفاهيم المترسخة لدى سكان كل أقليم من سوريا على حدى فنجد أن ظهور "الجماعات الجهادية الإسلامية" في بقعة كبيرة من الأراضي السورية ليس بالشيء الغريب أو المستبعد حدوثه.

فأولى بذور التمرد الشعبي التي ظهرت في الساحة السورية كانت تحمل شعارات "الإخوان المسلمين" وذلك يعود بالمراقب إلى العام 1982، الذي ثار فيه الشعب السوري على الأسد الأب في عدة مدن ومحافظات سورية أبرزها حماة وإدلب في الشمال السوري بالإضافة إلى عدة مناطق من دمشق وغوطتها، الأمر الذي جوبه وقتها برد عنيف ودموي من قبل نظام حافظ الأسد، مما خلف الكثير من الأحقاد في قلوب السوريين نتيجة الاعدامات الكثيرة وحملات الاعتقال العشوائية التي نفذها نظام الأسد، والتي غيبت ألاف الأشخاص داخل زنازين السجن حتى يومنا هذا ومن كان سعيد الحظ وتم الأفراج عنه بعد مدة لا تقل عن سبعة أعوام فقد اختار الهروب من بلاده خشية تكرر المأساة مرة أخرى.

الطامة عندما يسحب أحدهم صفة الصلاح من شخص ويقاتله ويقتله لا باعتباره مخطأ بل باعتباره كافراً خارجاً عن ملة الله لعصيانه دين الجماعة المنزل.

ومن هنا نمى أغلب مجتمع الشمال السوري على مدافن الحقد الكامن في صدورهم ضد نظام الأسد، الذي يكاد لم يترك بيتاً في شمال سوريا إلا وقتل أو اعتقل أحد أفراده، ومن الطبيعي أن الفاقد لشخص عزيز عليه سوف يقتدي به ويحاول أن يسير على خطاه قدر الإمكان في أي فرصة سانحة، وهذا كان السبب الحقيقي وراء ظهور الفصائل الإسلامية على ساحة الثورة انطلاقا من الشمال السوري، الذي شكل الحاضنة الشعبية المناسبة لنشأة الفصائل الإسلامية المقاتلة لنظام الأسد؛ العدو الأول للشعب المغدور سنة 1982، فمن قُتل أو اُعتقل في تلك الفترة كانت تهمته أنه رغب بإقامة دولة عادلة تحكم بشرع الله، وهو مطلب إذا ما قارناه بما نراه اليوم سوف نكتشف مقدار التشابه الشديد بين المطلبين.

كان لهذه العقلية الإسلامية المتأصلة في الشمال السوري فوائدها الكبيرة في بدايات الثورة السورية، فقد ساهمت بشكل كبير باستقطاب الحاضنة الشعبية حول الثوار السوريين، وخصوصاً تأييد الثورة بالرجال الذين لهم كلمتهم ووزنهم في مدن وبلدات الشمال السوري، فقد هيئوا البطانة المناسبة لتقوية الثوار ودعمهم ما أمكن، لأن الفكرة ليست بجديدة عليهم علاوة على أنهم وجدوا فيها امتداداً للمشروع والمطلب الحق الذي اعتقل بسببه أبنائهم عام 1982 أثناء فترة سطوة الأسد الأب وجبروته.

الأمر هذا أدى إلى وضوح التباين بين سياسة حافظ الأسد ونجله بشار في التعامل مع المشكلات الداخلية، فالأسد الأب فضل القضاء على المتمردين على حكمه بقوة السلاح وتحت سطوة المدافع والقصف المكثف الذي حول محافظات الشمال السوري إلى ركام مهجور سنة 1982، بينما رأى الابن بشار الأسد أن هذه المكونات الإسلامية ستقضي على بعضها البعض إذا ما التقى الجيل الأول منهم بالجيل الجديد، فقام ضمن حركة غير مسبوقة وغير متوقعة في آن واحد بالإفراج عن عدد كبير من الشخصيات المهمة التي كان قد اعتقلها والده عام 1982 من السجون المركزية، الأمر الذي تصوره الكثير من الناس امتصاص لغضب الشارع السوري الثائر، ولكن في حقيقة الأمر لم يكن إلا تذكية للنار المضطرمة على صعيد العقول الطامحة في إقامة خلافة إسلامية على منهاج النبوة مجهولة المعالم من قبل طلاب العلم ومشايخه قبل الشعب المسلم الذي سيخوض هذه التجربة المصبوغة بصبغة الإسلام المحمدي الحنيف.

هل أطمرت السماء أموالاً على أراضي الخلافات الإسلامية المزعومة في بلاد الشام، أم أن بعض الدول الداعمة أرادت حرف بوصلة الثورة من خلال غسل دماغ آلاف الشباب عبر وحي كاذب.

وفي خط موازي؛ عندما رأى الشعب السوري ما حل به من الدمار والقتل والتهجير في السبع سنوات العجاف التي مروا بها منذ بداية الثورة السورية، ظهر منادٍ ينادي بهذا الشعب أنه لا عاصم لكم اليوم إلا الله، وهو أمر مسلم به في جميع الأحوال والصفات، ولكن من عزف على هذا الوتر كان يبتغي غير التسليم والاستسلام لأمر الله، فقد نتج عن هذه الهتافات أفواج من الشباب السوري تتجه نحو الفصائل ذات الطابع الإسلامي والتي كانت في بدايات ظهورها آنذاك، ظناً منهم أنهم يترقبون إلى الله بذلك وأنهم اتخذوا الفريق الصحيح لمجابهة بطش نظام الأسد، علماً أنه لا يستطيع أحد أن ينفي عمل الفصائل ذات الطابع الإسلامي في الثورة السورية والواقع الذي أثبت أن الحماس الجهادي الذي ضخ في دماء عناصرهم كان كافياً لحسم الكثير من المعارك لصالح الثورة السورية على حساب النظام فهم يعتبرون أنهم يبيعون أرواحهم لله، ولا خيبة لدى من تاجر مع إلهه.

ولكن الخطأ الفادح الذي تنامى فيما بعد الانتصارات المتتالية، كان أشد وطأة على مصير الثورة وخط سيرها فقد بدأت بعض الجماعات ذات الطابع الإسلامي باحتكار الإسلام ونسبه إلى ذواتهم فقط تحت رايات اتخذوها، وأكاد أجزم أن أغلب شرعيي الفصائل يعتبرون أن فصائلهم هي الطائفة المنصورة والمؤيدة برضى الله، وكأن الله أحب لون راياتهم دون غيرها ولو أسر بعضهم ذلك حتى يومنا هذا، والدليل على ذلك التناحر الذي أصاب الساحة السورية بعد الانتصارات المتتالية، فالكل يظن أنه على الحق وهو شيء طبيعي ويحتمل الخطأ والصواب في آن واحد، ولكن الطامة عندما يسحب أحدهم صفة الصلاح من شخص ويقاتله ويقتله لا باعتباره مخطأ بل باعتباره كافراً خارجاً عن ملة الله لعصيانه دين الجماعة المنزل.

كل هذا الجهل الإسلامي المتراكم أدى إلى خروج جماعات مقاتلة اتخذت من تكفير مخالفيها منهجاً لها، بالإضافة إلى وجود فصائل لا زالت تحتفظ بشيء من الاتزان والرادع الأخلاقي الذي منعها أن تكفر كل من خالفها بحجة شق الصف الجهادي وموالاة الدول الداعمة، ولكن من المتعارف أن عصب الثورات هو المال فالسؤال الذي يطرحه أغلبنا على نفسه هل أطمرت السماء أموالاً على أراضي الخلافات الإسلامية المزعومة في بلاد الشام، أم أن بعض الدول الداعمة أرادت حرف بوصلة الثورة من خلال غسل دماغ آلاف الشباب عبر وحي كاذب أقنع المقاتلين أن التطرف الإسلامي وجز الرقاب هو دين الله؟!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.