شعار قسم مدونات

مكوناتُ "الإسلام المطبوخ" الأربعة

في الزمنِ الذي كانت تسودهُ أباطرةُ الرُّومِ وأكاسرةُ الفرس، لم يكن للعربِ من العزةِ سوى ما يتباهون به على بعضهم، فيتغازون ويتناهبون ويتسَابَون، وأقصى ما يَشْرُفُ به أحدُهم أن يَدخلَ على قيصرَ أو كسرى وينحني بين يديه.

وبينما العربُ تتنازعُهم سيادةُ الرومِ والفرسِ، ظهر عليهم النبيُّ الكريمُ لتنقلبَ مع ظهورهِ موازينُ الدنيا كلها، فدعوته لم تقتصر على التَّنسُّكِ والتَّبهُّل، بل كما لخصَّها رِبعيّ لرسْتم: (نحن قومٌ ابتعثنا الله لنخرجَ العبادَ من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضِيقِ الدنيا إلى سعَتَها، ومن جَوْر الأديانِ إلى عدلِ الإِسلام)، فهي إذاً دعوةٌ إلى تطويعِ الدنيا بمن فيها لخالقها. وما هي إلا سنونٌ تمرُّ لتعلوَ راياتُ الإسلامِ خفاقةً في قلب الإمبراطوريتين وغيرهما. هكذا أحال الإسلامُ العرب من أذلة إلى ملوكٍ على الدنيا.

ومن المعلومِ أنّ هذا الإسلامَ لم يصلنا على طريقٍ من حرير، بل تعرَّض نبيُّه وأهله إلى صنوفِ المكائدِ والتآمراتِ في سبيل إيصاله إلينا، فلم تكن البداية محاولة قتل النّبيِّ الكريم، كما لم تكن النهاية إسقاط دولةِ الخلافةِ الإسلاميَّة. ولمَّا أَعْيَتِ المتآمرينَ حِيَلُهم خَلَصوا نَجِيَّاً وخرجوا بقرارٍ مفادهُ أنّ هذا الدِّين لا يموت في قلوب أهله إلا أن يُطبخَ لهم دينٌ جديدٌ يَحملُ ذات الاسم لكنَّ مكوناتهِ تختلفّ تمامَ الاختلاف. وقد اخْتيرَ لهذه الطبخةِ ثلاثةُ مكوناتٍ لإنتاج أشباه مسلمين.

حرص المخطِّطون على أن يُنشئوا جيلاً لا يعرف من دينه إلا مالقَّنه إيّاه معلمهُ الذي لا يُسمحُ له بتجاوزِ ما تضمَّنته المناهج الدراسية
حرص المخطِّطون على أن يُنشئوا جيلاً لا يعرف من دينه إلا مالقَّنه إيّاه معلمهُ الذي لا يُسمحُ له بتجاوزِ ما تضمَّنته المناهج الدراسية

فأولُ تلك المكونات هو الإعلام، فقد استغلَّهُ مستعمرو الأمةِ الجدد بأن جعلوه بوقاً لأفكارهم التي دخلوا بها من خلاله كل بيت. فبالقنوات الإعلاميّة تمكّنَ القائمون عليها من تقديم صورة مميَّعة للدين؛ وذلك بالسَّخريةِ من أهله، والاستهزاء من تعاليمه، وإظهاره على شكلِ منتوجٍ مُنْتَهِ الصلاحيّة.

وثاني مكونات هذه الطبخة هم العلماء المدجَّنون، فهؤلاء يفسِّرون نصوصَ الشّريعةِ للعوامِ على مقاساتٍ لا يتجاوزونها، ويُلقون خطبهم وفتاواهم من كتالوج أُعِدَّ بعنايةٍ فائقة. وبتعاونِ الإعلامِ تمكَّنَ هؤلاء من الوصولِ إلى الناسِ في عقورِ دورهم ليعلِّموا كبارهم وصغارهم ما ظنُّوها تعاليمَ الإسلامِ التي يقدِّسون.

وثالثُ هذه المكونات هو المناهج الدراسيّة، وهي ما لا مناص لأحد من التَّعرُّض لها. فقد حرص المخطِّطون على أن يُنشئوا جيلاً لا يعرف من دينه إلا مالقَّنه إيّاه معلمهُ الذي لا يُسمحُ له بتجاوزِ ما تضمَّنته تلك المناهج.

وأمَّا رابعُ المكونات فهو الحكّام، وهؤلاء تقتصر مَهمَّتهم على تهيئةِ الأمورِ؛ كي تتمَّ الطَّبخةُ كما يريدها الطَّبَّاخون. ولا يملكُ هؤلاءِ أن يَحيدوا عن الطَّريقِ المرسومِ لهم، فهم من صنيعةِ المستعمرِ الذي بيَده أن يخلعهم متى شاء كما نَصَّبهم أوَّل مرة.

بهذه المكونات الأربعةِ -بالإضافة إلى بعض التَّوابل- طَبخَ المستعمرُ الجديدُ للأمةِ "إسلاماً" ليس له مذاق الإسلامِ الحقيقيِّ ولا نكهته، بل لا يُسمن ولا يُغني من جوع. وللأسف فقد مضغ كثيرٌ من الناسِ تلك الطبخةَ وابتلعوها دون معرفةٍ بحقيقتها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.